فرضية وفاة بن لادن

TT

الاسبوع الماضي قال وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد ـ وهو ابرز صقور ادارة بوش ـ كلاما مبهما عندما سئل عما اذا كان اسامة بن لادن على قيد الحياة ام انه قتل. لكن خلافا لتصريحاته السابقة اسهب رامسفيلد بعض الشيء في كلامه عن احتمال ان يكون بن لادن مات، وقال انه لم ير او يسمع على مدى بضعة اشهر دليلا يشير الى ان زعيم «القاعدة» ما يزال حيا. ولو كان رامسفيلد سكت عند هذا الحد، لبدا كلامه وكأنه تأكيد قاطع على ان بن لادن مات، إما خلال القصف العنيف على تورا بورا، او خلال عمليات الملاحقة والمطاردة التي اعقبت ذلك القصف. الا ان وزير الدفاع الاميركي مضى في حديثه ليقول: انني لا اعرف ما اذا كان حيا او ميتا.

هذا الغموض يناسب الادارة الاميركية لانه يساعدها على ابقاء حرب الارهاب ساخنة، ولانه ايضا لا يقدم معلومة اكيدة لانصار وكوادر «القاعدة» المشتتين حول العالم، والملاحقين الان في كل مكان تقريبا. وهناك من يقول ـ حتى في دوائر واشنطن ـ ان ادارة بوش لو اعلنت ان بن لادن مات، فإن ذلك قد يعرقل حربها الدولية ضد الارهاب، ويثير تساؤلات في كثير من الاوساط ازاء استمرارية هذه الحرب، مما سيضعف «التحالف الدولي» الذي تشكل ضد الارهاب بعد هجمات سبتمبر.

في الجانب الاخر، تجادل بعض الاطراف بأن ادارة بوش لو كانت قد تمكنت من بن لادن لاعلنت ذلك على الملأ، لانه سيجعلها تبدو وقد انتصرت في حربها ضد «القاعدة». ويضيف هؤلاء ان صمت بن لادن طوال الاشهر الماضية لا يعني انه مات، بل انه قد يكون امعن في التخفي والصمت حتى لا ترصده عيون اميركا الفضائية والارضية، وتصل اليه اسلحتها.

ان كل الفرضيات ممكنة، لكن هناك حيثيات لا يمكن اغفالها قد ترجح فرضية وفاة بن لادن. فهو لو كان حيا لاهتم بتوصيل رسالة عبر شريط فيديو مسجل ليؤكد لاتباعه انه ما يزال حيا، وان الآلة العسكرية الاميركية التي استخدمت اقوى واحدث معداتها واكثرها تطورا، لم تتمكن منه. ومثل هذه الرسالة كانت ستعطي دفعة معنوية لتنظيمه، وهي دفعة تبدو قيادات التنظيم في حاجة اليها الى درجة جعلت اثنين من معاوني بن لادن، هما خالد شيخ ورمزي بن الشيبة، يخاطران بتسجيل فيديو مقابلة لبثه عبر قناة «الجزيرة»، وهي مخاطرة انتهت باعتقال بن الشيبة وعدد من كوادر «القاعدة».

وخلال الاسبوعين الماضيين كتب عنصر في «القاعدة»، رسالة في موقع انترنتي موال للتنظيم تحدث فيها عن مقتل اسامة في القصف على تورا بورا. وعندما بدأت الرسالة تسترعي الانظار ظهرت رسالة اخرى باسم كاتب الرسالة الاولى يعتذر فيها عما كتبه. واذا اضفنا الى ذلك ان المسؤولين الاميركيين لم يعودوا يذكرون بن لادن في خطبهم او في تصريحاتهم، او اذا سألهم الصحافيون، وباتوا يركزون في كلامهم على ملاحقة «القاعدة»، فان فرضية وفاة بن لادن تبدو واردة ومرجحة، خصوصا ان القوات الخاصة الاميركية قلصت عمليات المطاردة في افغانستان، بل ان مجموعات منها بدأت توجه الان نحو الإعداد لضرب العراق، او لملاحقة عناصر «القاعدة» في دول اخرى.

لكن بالرغم من الفرضيات التي ترجح وفاة زعيم «القاعدة»، فان الجدل لن يتوقف الا اذا خرجت واشنطن بتأكيد حاسم، وهو ما لا تبدو ادارة بوش راغبة فيه الان.. والى إشعار آخر.