كما تل أبيب كما واشنطن .. والعرب يتفرجون!

TT

طوني بلير يدعم جورج بوش بالكامل، وجورج بوش يدعم ارييل شارون بالكامل، مما يعني ان طوني بلير يدعم ارييل شارون.

وعلى الرغم من هذا الدعم الكامل، اسرائيل غاضبة لمجرد ان رئيس الوزراء البريطاني دعا الى تطبيق كل قرارات مجلس الامن في الشرق الاوسط «كما في العراق»، فقامت قيامة الحكومة الاسرائيلية عليه.

وعلى الرغم من ان جورج بوش هو اول رئيس اميركي يوقع قانونا أقره الكونغرس لنقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس وتسمية هذه عاصمة لاسرائيل، فإن اسرائيل غير راضية لمجرد ان الادارة الاميركية أكدت ان التوجيهات التي نص عليها قانون الكونغرس لا تعدو كونها توصيات غير ملزمة للادارة الاميركية.

فماذا تريد اسرائيل أكثر؟ لا بل ماذا يريد بالتحديد ارييل شارون؟

اذا راجعنا الصحف الاسرائيلية يتبين لنا أن الرأي العام الاسرائيلي لا يدعم ارييل شارون بقدر ما تدعمه الولايات المتحدة وبريطانيا. فإن اغلبية الاسرائيليين، على سبيل المثال، توافق على عملية اخلاء المستوطنات، في حين ان ارييل شارون يرفض الامر جملة وتفصيلا، لا بل يصر على الاستمرار في بناء مستوطنات جديدة.

كما ان اكثرية الاسرائيليين مستعدة للانفصال عن الاراضي الفلسطينية حفاظا على يهودية اسرائيل، وبغية انهاء الحرب مع الفلسطينيين، وبهدف تشجيع النمو الاقتصادي الذي تراجع من نسبة %4.5 في عام 2000 الى %1 وهي النسبة المأمولة في عام 2003، لكن ارييل شارون لا يأبه لكل هذه المعطيات ويقف دون قيام دولة فلسطينية.

المنطق الذي يقود تصرفات اسرائيل تجاه الفلسطينيين هو عينه الذي يقود تصرفات الولايات المتحدة تجاه العراق. فعلى الرغم من توصل الامم المتحدة الى اتفاق مع بغداد على السماح للمفتشين الدوليين بالعودة الى العراق واستئناف اعمالهم بصورة «غير مشروطة في المكان والزمان»، فإن واشنطن اعلنت عن نيتها «عرقلة» عودة المفتشين الى ان تستصدر من مجلس الامن قرارا جديدا اكثر قساوة يذهب الى حد الدعوة الى اغتيال صدام حسين!

واذا ما سألنا لماذا العراق ملزم بتطبيق القرارات الدولية الاكثر قساوة في تاريخ الامم المتحدة، بينما اسرائيل غير ملزمة بتطبيق القرارات الدولية الاكثر تسامحا معها؟ يأتينا الجواب جارحا وهو لأن العراق هو العراق، ولأن اسرائيل هي اسرائيل!

ويبدو طبيعيا للعالم ان يكون العراق ملزما بنزع اسلحة الدمار الشامل واخضاع ترسانته العسكرية لتفتيش مراقبي الامم المتحدة، بينما اسرائيل غير معنية بنزع اسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها والتي تحتوي بالتأكيد على رؤوس نووية، ولا تطبق ايا من القرارات الدولية في هذا الشأن، ولا يفكر احد بأن يجبرها على اخضاع منشآتها النووية، بما فيها مفاعل ديمونا، لتفتيش وكالة الطاقة الذرية.

وهكذا تستعجل واشنطن للاستحصال على قرار دولي يجيز لها استعمال القوة ضد العراق وبالكاد مضى عقد من الزمن على نشوء الازمة العراقية، فيما لا تستعجل شيئا على صعيد ازمة الشرق الاوسط وقد مضى على نشوء هذه الازمة اكثر من نصف قرن!

في المقابل لا تستعجل واشنطن قرارا دوليا يمنع على ارييل شارون استعمال القوة والعنف ضد القضية الفلسطينية والفلسطينيين، بل تجيزهما له من تلقاء ذاتها، وكأنها تبيح استخدام القوة والعنف، حيث مصالحها ومصالح اسرائيل تستوجب هذا الامر. وتتريث حيث لا يمكنها اللجوء الى القوة والعنف، او حيث مصالحها ومصالح اسرائيل غير مهددة.

واكثر من ذلك، واشنطن لا تستعجل حتى تنفيذ القرارات الدولية الاخيرة التي تطالب اسرائيل بالانسحاب من اراضي السلطة الفلسطينية عملا باتفاقات اوسلو التي رعاها البيت الابيض مباشرة، بل تستعجل المطالبة باستصدار قرار جديد في مجلس الامن يجيز لها استعمال القوة ضد العراق من اجل ان تفرض عليه قرارات دولية بات على استعداد لتنفيذها بصورة طوعية!

واذا سلمنا جدلا بالمنطق الاميركي الزاعم بأن الازمة العراقية مختلفة عن ازمة الشرق الاوسط، وانه يحق للولايات المتحدة من هذه الزاوية ان تتعامل مع كل ازمة بطريقة مختلفة عن تعاملها مع الاخرى، فإننا لا نجد ما يستدعي منها العجلة لتسوية ازمة العراق قبل ازمة الشرق الاوسطAAAA المبررات التي يسوقها المسؤولون الاميركيون في هذا السياق غير مقنعة حتى للأميركيين انفسهم، فأكثرية الرأي العام الاميركي غير مقتنعة بضرورة شن حرب على العراق، في حين ان جورج بوش، على غرار ارييل شارون، مصمم على حرب ضد العراق ولو لم يفهمها حتى الاميركيون.

وفوق كل ذلك لا تنفك واشنطن تقدم الخدمة تلو الخدمة لحكومة ارييل شارون، في وقت كان يفترض فيه ان تقوم بخطوة تلو الخطوة لانقاذ عملية التسوية في منطقة الشرق الاوسط، بدلا من ان تطلق العنان للتطرف الاسرائيلي بتقويض هذه العملية من اساسها.

والنتيجة المباشرة لانصراف واشنطن الى التحضير لشن حملتها العسكرية ضد العراق بعد الحملة على افغانستان تتمثل باطالة أمد الاحتلال الاسرائيلي لمناطق السلطة الفلسطينية ومرتفعات الجولان ومزارع شبعا، وبارجاء البحث في اي تسوية لأزمة الشرق الاوسط الى اجل غير مسمى.

من السهل القاء اللوم والعتب على الولايات المتحدة واسرائيل واظهار مدى الغضبة الشعبية والرسمية ضدهما، وهما مستعدتان لهذا الاحتمال، غير اني عاتب وغاضب على الدول العربية والاسلامية التي لم تصح على ما يبدو من «صدمة» 11 سبتمبر، في حين ان اسرائيل ما برحت تستفيد منها منذ حدوثها للنيل من المصالح والحقوق العربية، ولتحقيق مكاسب اضافية لها كما الحال في مسألة القدس.

وبالفعل استفادت اسرائيل من احداث 11 سبتمبر لاعادة احتلال الضفة الغربية، وتقويض السلطة الفلسطينية، وانهاء مشروع الدولة الفلسطينية، ومحاولة الغاء ياسر عرفات بهدف الغاء اتفاقات اوسلو، وهي مصممة وتحاول الاستفادة من الحملة الاميركية على العراق لتدمير ترسانته العسكرية وتحييده عن الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وربما التسلل اليه دبلوماسيا وتجاريا في وقت لاحق للافادة من نفطه!

امام هذا المشهد العالمي المخزي، وامام المشهد العربي المبكي، من حق سوريا ان تحترز وتستعد جيدا لمواجهة المخاطر السياسية والعسكرية الآتية مع كل تداعياتها الاستراتيجية. ومن حق لبنان ايضا ان يحتاط ويتحضر لمواجهة المخاطر عينها، والضمانة الكبرى للتقليل من سلبيات هذه المخاطر هي التفاهم العميق بين لبنان وسوريا، والباقي يسهل.