تصغير وتأنيث

TT

ليس هناك إعلام عربي ـ لا رسمي ولا خاص ـ مثلما الإعلام العراقي الرسمي بقدرته على بث مفردات وعبارات وكلام يندر وجوده في أي إعلام آخر، قوية تلك الكلمات وذات مدلولات لغوية تلك العبارات، ومن المؤكد أن هناك فريقا عراقيا إعلاميا رسميا ينتقي تلك العبارات ليكررها كي ترسخ في ذهن المستمع وتعلق في مسامعه، فمن منا لا يذكر «فليخسأ الخاسئون» والتي تختتم بها عادة البيانات الرسمية العراقية، ومن منا لا يعرف كلمات قوية وتعبوية مثل «الأشاوس» و«الماجدات» و«أم المعارك» و«قادسية صدّام» وغيرها.

لدى البدو في الجزيرة العربية تعليق ظريف على من يبالغ في الكلام ويردد أقاويل غير صحيحة، فيسمونه «سرد عراق» ـ كناية عن المبالغة الرسمية العراقية، وربما غيرة من عدم قدرتهم على لغة أهل العراق الرسمية.

ولعل أشهر تلك العبارات في الإعلام العراقي الرسمي ربط الإدارة الأمريكية بالشر، فيقال: «أعلنت إدارة الشر الأمريكية كذا وكذا»، كما تربط اللغة الإعلامية العراقية اسم الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش «بالصغير»، فيقال مثلا: «أعلن الرئيس الأمريكي جورج الصغير»، ومعروف أن التصغير يستعمل للتدليل أو التحقير، وليس بخاف على المستمع الفطن أن ربط الرئيس الحالي بوش لا يقصد به الترتيب سنا، على اعتبار أن أباه الرئيس السابق أكبر منه سنا، وجاء هو صغير السن مقارنة بأبيه، ولكن التصغير هنا يستعمل للتحقير، فالمقصود أن الرئيس الأمريكي صغير الحجم والذهن والفطنة والقوة والقدرة... الخ.

وتصغير الأسماء ـ كما ذكرت ـ يستعمل للتدليل، ومن الشائع أن تصغير حسن حسين، وتصغير خالد خويلد، وتصغير حمد حميد.. وهكذا، وليس من الشائع في العربية تصغير ما عبّد من الأسماء باستثناء عبيد التي تسبق لفظ الجلالة ـ «الله»، فقد شاع اسم عبيد الله ولم ينتشر عبيد الرحمن أو عبيد الرحيم أو عبيد الخالق أو عبيد الباري.. وهكذا، مع أن اسم «عبد» الذي سبق عبد الله هو نفسه الذي سبق أسماء الجلالة لله سبحانه وتعالى الأخرى.

ولكن الدارج أن يصغّر الاسم الثاني في هذه الأسماء المركبة، فعبد الرحمن هو «الدُّحمي» في نجد وشرق الجزيرة، وهو «حمنّي» في شرق الجزيرة وجنوب العراق، ورحيّم تصغير لعبد الرحيم، وهنا يستثنى اسم عبد الله حيث يصغر الأول وليس الثاني (عبّود تصغير لعبد الله). والتصغير في هذه الأحوال المذكورة يستعمل للتدليل وليس للتحقير إلا في سياقات ضيقة ومعيّنة.

وتقدير المرء في الأسماء يكون عادة بمناداته بأبو فلان، وعادة ما ينادى باسم أكبر أبنائه الذكور، وحتى لو لم يكن متزوجا ولم يكن قد جاءه من الوِلْد أحد، أو أن وِلْده إناثا، فإنه يكنى بأبو فلان اسم أبيه، فيقال لمحمد عبد الله أبو عبد الله حتى لو لم يكن عنده ولد اسمه عبد الله، وقد اتفق على أن بعض الأسماء المذكرة تسمى بأبي فلان قبل أن تتزوج، فمحمد أبو القاسم، وعلي أبو حسين، وحسين أبو علي.. وهكذا.

الكويتيون من فرط حبّهم للرئيس بوش «الكبير» أطلقوا عليه اسم «أبو عبد الله» كناية عن أنه أصبح واحدا منهم لكثرة انتشار اسم عبد الله بين الكويتيين.

ولكن لا يمكن أن ينطبق الشيء ذاته على المرأة، فأية فاطمة ليست تلقائيا أم حسن، وليست كل «أسماء» تكنى «أم عبد الله». لكن هذا لا يعني امتهانا لأسماء المرأة، فإذا كان التصغير للتحقير فإن التأنيث للتفخيم واستنهاض الغيرة والهمة والنخوة، فيقال: واعنترة، وامعتصماه، وامحمداه. كما أن التأنيث للمبالغة والتعظيم، فالعالم أعلى درجة إن هو علاّمة، والدليل عند البدو يرتفع درجة أعلى إن هو سُمّي «دليله».

كنت أتحدّث مع بعض الأصدقاء العراقيين عن الرئيس الأمريكي بوش «الصغير»، فقال لي أحدهم ممازحا: «هل تصدق بأن في العراق اليوم من يصرخ بأعلى صوته المكتوم «واجورجاه؟».