ابحث عن الكلمة الضائعة

TT

هناك ثلاثة اسطر في كل 50 سطرا يكتبها برنارد لويس، «مؤرخ الاسلام»، يجب البحث عنها تماماً كالبحث عن «كلمة السر» في لعبة الكلمات المتقاطعة. وبعد ايام من تلك الخدمة التي اسديت للعرب والمسلمين في 11 سبتمبر 2001 كتب لويس مقالاً في «الوول ستريت جورنال» يشرح فيه معنى كلمة «الجهاد» وكيف بدأ المؤرخون استخدام كلمة «الصليبية» في القرن التاسع عشر، فيما كانوا قبل ذلك يشيرون الى الغزاة الاوروبيين بـ«الفرنج»، او «الفرنجة». ومن قرأ كتاب امين معلوف الاول «الحروب الصليبية كما يراها العرب»، لا يعود في حاجة الى شروح الاستاذ البريطاني الفخري في جامعة برنستون.

كان هناك ثلاثة اسطر لا بدّ من البحث عنها. وفي الصيف الماضي ارسل اليّ الاستاذ محمد الشارخ المقال من جديد، بعد 3 مقالات متتابعة في هذه الزاوية عن «مؤرخ الاسلام». وعدت الى قراءته مرة اخرى بعد عام على صدوره وبعد عام على تلك الخدمة القومية الهائلة التي اسديت للقضية الفلسطينية وللدفاع عن العراق.

لا داعي لبقية المقال، لكن الاسطر الثلاثة الموضوعة في قلبه تقول، ان الحروب الجهادية اتجهت ثلاث مرات نحو اوروبا: المغاربة في اسبانيا، التتار في روسيا، والترك في البلقان. «وقد كانت الحروب الصليبية جزءاً من الهجوم المضاد. ونجح الهجوم المضاد المسيحي في اسبانيا وروسيا واخيراً في البلقان، لكنه اخفق في استعادة الارض المقدسة المسيحية».

اين؟ يترك لك برنارد لويس الباقي! ومن الخطأ الشديد والعميق ان نتابع خطوة جورج بوش والكونغرس الاميركي في شأن القدس عاصمة لاسرائيل، من دون ان نقرأ في فكر برنارد لويس. ليس لسبب تأثيره شبه المطلق على العقل الاميركي الحديث، بل لأن له نفوذاً مباشراً على صنَّاع القرار الاميركي فيما يتعلق في الشرق الاوسط. والذين «فوجئوا» بقرار بوش، هم الذين لا يتابعون السياسات الاميركية او بالاحرى لا يصدقون ما يقرأون. فقد كان من اوائل البنود في معركة بوش الانتخابية انه سوف ينقل السفارة الاميركية الى القدس اذا فاز. وكان بيل كلنتون قد هدد بالامر في السنة الاخيرة من ولايتيه ثم عاد فتراجع. وكان في قناعة الكثيرين، وانا واحد منهم، بأن الولايات المتحدة لن تجرؤ على هذه الخطوة، وانه مهما ضغط الكونغرس فسوف تظل الادارة صامدة. واذكر تماماً انه حوالي العام 1976 و1977 نادى وزير خارجية كندا آنذاك جو كلارك بنقل سفارة بلاده الى القدس. وقلت لزوجتي يومها، يجب ان نودع المستر كلارك فقد اشعل النار في نفسه. وبعد ايام استقيل واغلق الباب دونه، ولم يعد الى العمل السياسي الا بعد سنوات.

كان ذلك في زمن مضى. ولم يكن الفكر السياسي حول العمل من اجل اقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، قد انتقل الى افران برج التجارة العالمي في نيويورك. وكانت لا تزال هناك محاولات عربية، يائسة او بائسة او عبثية، لتحقيق نوع من التوازن مع النفوذ الاسرائيلي في اميركا. وعلى وهنها، استطاعت تلك المحاولات ان تحمل ياسر عرفات الى البيت الابيض، وحملت بيل كلنتون الى غزة ليعلن ان «العذاب ليس احتكاراً لاحد». وانتقل الموقف الاوروبي من حال الى حال ومن زمن عقلية السويس الى مرحلة الشراكة. لكن ثمة من كان اكثر وعياً سياسياً، فقرر ان القضية الفلسطينية في حاجة الى دفعة اقوى. ومنذ ذلك اليوم وكل فظاعة تمر من بين اصابع 11 سبتمبر، بحيث بدا قرار في حجم قرار القدس، نبأ روتينياً في واشنطن ومجرد جزء من تفكير البروفسور لويس.