الأفغان الأستراليون

TT

حين يرد ذكر أفغانستان لا يتبادر إلى أذهان الكثيرين إلا طالبان وتنظيم «القاعدة» وأحداث الحادي عشر من سبتمبر الدرامية الضخمة التي جاءت ـ كما يتصور الكثير ـ نتيجة التحالف بين هذين التنظيمين، ومن نظر نظرة تفاؤلية عاد إلى الوراء قليلا ليتذكر الملاحم البطولية لهذا الشعب الشجاع في حربه الضروس مع الاتحاد السوفياتي، لكن القليل منا يعرف أن الأفغان كان لهم تأثير في مجريات الأحداث في مكان قصي من الدنيا وهو قارة أستراليا التي يسميها الإنجليز (Down Under) أي ما تحت الأسفل يعنون أنها تقبع في أسفل نقطة من الكرة الأرضية. فالأفغان من أوائل من وطأت أقدامهم تراب هذه القارة النائية وهم من أوائل من ساعد في اختراق القارة من أقصاها إلى أقصاها وهم أول من بنى أقدم المساجد في القارة الأسترالية مع نهاية القرن التاسع عشر.

حين رست السفن البريطانية الاستكشافية قبل حوالي مائتي سنة أرادوا التوغل في قلب القارة واقتحام مجاهلها للبحث عن معادنها وثرواتها ما ظهر منها وما بطن، إلا أن بعد الشقة ووعورة التضاريس واتساع رقعة صحرائها جعلهم يترددون في اقتحام هذه المخاطر ولم يجدوا أفضل من الأفغان وجمالهم الصبورة لمساعدتهم في اختراق القارة التي يبعد ساحلها الجنوبي عن الشمالي أكثر من ثلاثة آلاف كم، ولقد أدركت حقا مقدار الأهوال والمخاطر التي تكبدها المستكشفون الإنجليز ومعهم الأفغان الأستراليون وذلك حين حلقت بنا الطائرة مخترقة عرض القارة فرأيت تضاريسها العجيبة المتباينة وأراضيها البكر التي لم يطأهن إنس قبلهم ولا جان. الجمال الأفغانية صارت ـ كما عبر أحدهم ـ مثل الشرايين تحمل الحياة بين أجزاء القارة وأطرافها.

وقد أشار (ويلز) وهو أحد المستكشفين الإنجليز في مذكراته عن رحلاته الاستكشافية إلى قصص بطولية لهؤلاء الأفغان الاستراليين كتلك التي كان بطلها بيجاه الأفغاني، فحين ضاقت السبل بإحدى الرحلات الاستكشافية وتاهوا في عمق القارة وأيقنوا الهلاك كان بيجاه الأفغاني بصلابته وشدة مراسه وإحساسه الفطري بمسالك الأرض وفجاجها وشعابها ووهادها المنقذ للقافلة وركابها.

هذه النجاحات الأفغانية في القارة الجديدة حملت المستكشفين على إغراء الجمالين الأفغان لجلب عوائلهم وأصدقائهم، فكانت هذه الهجرات النواة الأولى للجالية الإسلامية في أستراليا وإن كان قلة بضاعتهم الإسلامية وجهلهم وافتتانهم بالحريات في المجتمعات الغربية المهاجرة أدى إلى شبه انقراض للرعيل الأول مع نهاية القرن التاسع عشر الميلادي حتى حدثني عدد من المسلمين ممن التقيتهم في رحلتي الأخيرة إلى أستراليا أنهم بين الفينة والأخرى يقابلون بعض الأستراليين ممن يتسمى بجورج خان أو ديفيد ولي وحين يسألون عن هذا الخلط الغريب بين الأسماء يقولون إن لهم آباء من أصول أفغانية. وللحديث بقية.