تأسيس السفارة الأميركية في القدس العربية حل وسط

TT

بادرت الدول العربية الى رفض مشروع القرار الجديد الذي قدمه الكونجرس الاميركي، وصدق عليه الرئيس بوش في نهاية الشهر الماضي، ويقضي باعتبار مدينة القدس عاصمة لدولة اسرائيل. والآن بعد هدوء العاصفة، علينا ان نتخذ موقفا سياسيا يحفظ حقوق الفلسطينيين، فقد اصبح المشروع قرارا واجب التنفيذ بعد تصديق الرئيس عليه، وان تقرر تأجيل نتائجه الى مرحلة مستقبلية مناسبة.

الا ان الطريق لم يعد مسدودا امامنا كما يعتقد البعض، فهناك قنصليتان في القدس للولايات المتحدة، احداهما في القدس الغربية والاخرى في القدس الشرقية، لم يصدر قرار بالغاء اي منهما. واذا توقف تنفيذ القرار الاميركي الجديد على تحويل قنصلية القدس الغربية الى سفارة للولايات المتحدة، فان علينا الاصرار على ترك القنصلية الموجودة في القسم الشرقي للمدينة، الى ان تتحول الى سفارة اميركية لدى دولة فلسطين عند انشائها. لقد خسرنا كثيرا لاننا ـ حتى هذه اللحظة ـ لم نعترف بقرار التقسيم الذي اصدرته الامم المتحدة، مما حرم الفلسطينيين من شرعية اقامة دولة لهم طوال نصف القرن الماضي. وبينما يصر شارون على ان تكون القدس الموحدة عاصمة لاسرائيل، فما زالت الولايات المتحدة تعتقد بضرورة قيام عاصمة فلسطينية على الاقل في جزء من القدس الشرقية.

فبالنسبة للقدس، لم يضع قرار الامم المتحدة عام 1947 هذه المدينة تحت سيادة اي من الطرفين، بل ترك منطقة القدس لتكون خاضعة لنظام دولي للادارة. واذا نظرنا الى المقترحات التي قدمها بيل كلينتون ـ الرئيس الاميركي السابق ـ لتكون اساسا لمشروع السلام النهائي بين الفلسطينيين واسرائيل، نجدها تتضمن النقاط التالية:

اقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، والاعتراف بالسيادة الفلسطينية على الحرم الشريف.

قرار التقسيم

وفيما يتعلق بالشرعية التي قامت عليها دولة اسرائيل، فليست هي الوعد التوراتي كما يعتقد بعض اليهود، وانما قرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة. صحيح ان الحركة الصهيونية اعتمدت على الوعد التوراتي في مطالبتها باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، الا ان هذا الوعد لا يمثل شرعية قيام دولة اسرائيل، التي قامت بناء على قرار اصدرته الهيئة الدولية. فقد اصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة قرارا في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 1947، يقضي بتقسيم ارض فلسطين الى دولة عربية ودولة يهودية مع ابقاء منطقة القدس تحت السيادة الدولية. صدر هذا القرار بموافقة 33 عضوا واعتراض 13 عضوا وامتناع 10 اعضاء عن التصويت. وعندما اعلنت بريطانيا انهاء الانتداب وسحب قواتها العسكرية وجهازها الاداري من فلسطين في 15 مايو (ايار) 1948، كان هذا هو نفس التاريخ الذي اعلنت فيه المنظمات الصهيونية عن قيام دولة اسرائيل في فلسطين، استنادا الى قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة. وكان قرار التقسيم ـ الذي ترك منطقة القدس لتكون خاضعة لنظام دولي للادارة ـ يمنح الدولة اليهودية 47.56% من الارض الفلسطينية، تتوزع في منطقة الجليل الشرقي المتاخمة لمرتفعات الجولان السورية، ورقعة تمتد على الساحل من جنوب عكا شمالا، الى اسدود جنوبا تشمل حيفا وتل ابيب ويافا، الى جانب صحراء النقب بما في ذلك منطقة بئر سبع.

ولم يكن قرار التقسيم يقضي باقامة دولة يهودية فقط في أرض فلسطين، بل بتكوين دولة فلسطينية هناك كذلك. فلم تكن هناك سلطة سياسية فلسطينية تحكم فلسطين، منذ 3 آلاف و500 سنة. فمنذ بداية التاريخ كانت ارض فلسطين ـ او كنعان كما كانت تعرف في الازمنة القديمة ـ تحتوي على العديد من ممالك المدن الصغيرة، لم تنشأ بينها وحدة سياسية. ومنذ منتصف القرن الخامس عشر ق.م، خضعت فلسطين للسيطرة الاجنبية التي استمرت الى العصر الحديث. فقد وقعت اولا تحت السيطرة المصرية ثم الآشورية ثم البابلية ثم الفارسية ثم البطلمية ثم السلوقية ثم الرومانية ثم البيزنطية ثم الاسلامية ثم العثمانية، واخيرا وضعت تحت الانتداب البريطاني. وهكذا فان قرار التقسيم الذي صدر عن الامم المتحدة، كان يقضي بتكوين اول دولة فلسطينية موحدة على ارض فلسطين التاريخية. وخلال ثلاثين عاما من الانتداب البريطاني، لم تكن هناك سلطة سياسية وطنية في فلسطين وكانت السلطات البريطانية هي التي تتولى ممارسة اعمال الادارة في البلاد، ولا كانت هناك هيئات تشريعية تمثل شعب فلسطين في ذلك الوقت. وبينما وافقت المنظمات الصهيونية على قرار التقسيم، رفضته الدول العربية بالاجماع. بل ان جامعة الدول العربية قررت دخول قواتها الى فلسطين عند نهاية الانتداب البريطاني، ليس لضمان قيام الدولة الفلسطينية، وانما لوقف تنفيذ قرار التقسيم ومنع قيام الدولة الاسرائيلية. واذا نظرنا الآن للنتائج التي ترتبت على هذا القرار، لوجدنا انه اضاع على الفلسطينيين فرصة تكوين دولتهم المستقلة كما اعطى اسرائيل عطفا وحماية دولية، في مواجهة غزو الجيوش العربية. وادى تدخل الجيوش العربية الى تشجيع الهجرة الجماعية للفلسطينيين خارج بلادهم، كما اتاح الفرصة لاسرائيل لوضع يدها على بعض الاراضي التي جعلها قرار التقسيم جزءا من الدولة الفلسطينية، اذ نتج عن حرب 48 ان القوات الاسرائيلية باتت تسيطر ـ الى جانب الارض المخصصة لها في قرار التقسيم ـ على رقعة تشمل حوالي 6 ملايين ونصف من الدونمات المخصصة للدولة الفلسطينية، تشمل الجليل الغربي ـ المتاخم للحدود اللبنانية ـ مع امتداد نفوذها على الشريط الساحلي جنوبا ليشمل معظم اسدود ومنطقة المجدل ـ عسقلان. وكذلك في منطقتي وسط فلسطين (اللد والرملة) والحدود مع سيناء المصرية ومنطقة المثلث الواقعة في شمال الضفة الغربية. وقد ذكر فاروق قدومي رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية («الشرق الاوسط» 14/1/2001) ان اسرائيل تحتل الآن ما نسبته 26% من الاراضي التي خصصها قرار التقسيم للدولة الفلسطينية.