العراق.. وحرب المدن

TT

في اكثر من مناسبة ابدى القادة العسكريون الاميركيون خشيتهم من قيام العراقيين في حال اندلاع الحرب الى جرهم الى حرب المدن، اي القتال داخل الشوارع وبين الابنية والعمارات التي تتطلب في الواقع دراية كبيرة، هي جزء من حرب العصابات.

والعراقيون الذي يدركون تماما، نقطة ضعف الاميركيين، شرعوا يخططون منذ فترة طويلة الى استدراجهم الى مثل هذا النوع من الحروب.

فرغم قوة اميركا الكبيرة في الطيران والصواريخ الجوالة والاسلحة الذكية، الصالحة لتسديد ضربات ساحقة ماحقة للخصوم في العراء، كما حصل ابان حرب الخليج الاخيرة عام 1991، الا ان حرب المدن تبقى شيئا مختلفا تماما.

صحيح ان الولايات المتحدة تملك الجو والبر والبحر، لكنها لا تملك داخل المدن. وتاريخها شاهد على ذلك، فخلال حرب فيتنام استطاع الفيت كونج تسديد ضربات قاتلة لها داخل المدن، رغم انه لم يبق سلاح استراتيجي ثقيل الا واستخدمته واشنطن ابتداء بالقاذفات «بي ـ 52» وانتهاء بمقاتلات فانتوم الثقيلة، مرورا بالسموم الكيماوية «عامل اورانج» التي كانت تسقط اوراق الشجر وتميت الغابات والاحراش لتكشف طرق تموين الفيت كونغ السرية وجحورهم وانفاقهم التي حفروها تحت الارض.

وقبل ذلك حصلت القصة ذاتها في كوريا، وحتى مع المانيا واليابان خلال الحرب العالمية الثانية. المهم في حرب المدن انك تستطيع ان تقاوم جيشا جرارا مجهزا باحدث الاسلحة والمعدات والتقنيات بتجهيزات بدائية اذا كانت هناك الارادة والمعرفة في اساليب القتال الالتحامي. وافضل مثال على ذلك معركة ستالين غراد بين الجيش الالماني بأسلحته الحديثة من مدافع ودبابات والجيش السوفياتي الذي كان وقتها يمتطي الدواب والبغال.

الملاحظ ان هيئة الاركان الاميركية المشتركة تنبهت اخيرا الى هذا الضعف فأخذت تركز على تدريب مكثف لحرب المدن اذا كان هدفها مطاردة الحكم العراقي داخل العاصمة بغداد واسقاطه من السلطة، كذلك اخذت القوات البريطانية تفكر على هذا الاساس إذا ما شاركت الاميركيين في حربهم.

وفعلا شكلت القيادة الاميركية غرفة عمليات لهذا الغرض باشراف توم جونستون الكابتن في البحرية في محاولة لالتقاط الخيط ولو جاء ذلك متأخرا. وستعمل هذه الغرفة على تطوير قيادة متخصصة في مثل هذه المعارك والحروب، مع اجهزة سيطرة واتصالات وكومبيوتر مع برمجياتها الخاصة لهذا الغرض، ثم ان حرب المدن تتطلب ايضا عمليات رصد واستكشاف واستخبارات لتمكين القادة من ادارة العمليات على افضل وجه وسط غابات الخرسانة المسلحة والابنية العالية والشوارع الضيقة، واكثر من ذلك وسط الملايين من السكان المدنيين الذين قد يسقط منهم العديد من الضحايا، فضلا عن الدمار الشامل الذي قد يصيب الممتلكات والارزاق. والتاريخ القريب شاهد عما لحق المدن الالمانية من خسائر مادية جسيمة في السنوات الاخيرة من الحرب العالمية الثانية.

من هنا يزعم القادة الاميركيون انهم يدرسون حاليا خططا لتفادي تحويل المدن العراقية الى كومة من الانقاض، عن طريق تطوير الاسلحة الذكية، لكي تسجل ضربات دقيقة من دون الحاق خسائر جانبية بالسكان العزل.

وحرب المدن كانت دائما حربا قاسية، وندعو الله ان يرأف بالجميع عسكريين ومدنيين، وجعل الدبلوماسية تنتصر في النهاية على أي حرب.