لعبة الديوك مع العراق

TT

لكي ينجح في تعامله مع العراق، على الرئيس بوش أن يتبنى أكثر الأساليب التي يمكن أن يتخيل المرء اتباعها من قبل رجل دولة: عليه أن يكون عنيفا لا متهورا.

وكيف ذلك؟ حسنا، إنها مسألة تعود الى مفهوم ذائع الانتشار في عالم التنظير الاستراتيجي: مفهوم يتناول كيفية تحقيق الفوز في لعبة الديوك، حيث يتجه سائقا عربتين نحو احدهما الآخر في وضع قابل للصدام. فلو كنت أحد السائقين، فإن أفضل طريقة للفوز تتمثل في أن تبادر، قبل أن يبدأ السباق، بفك عجلة القيادة أمام الجميع ورميها بعيدا من النافذة. حينها ستكون رسالتك للسائق الآخر: «حسنا يا ذاك، كان بودي التسابق معك وترك المجال مفتوحا أمامك، لكنني قمت للتو برمي عجلة القيادة في عربتي ـ وهكذا وما لم تكن مستعدا للارتطام بي، من الأفضل لك أن تبتعد عن طريقي».

نحن الآن نشهد حالة مماثلة بين الرئيس بوش وصدام حسين. فالدفع بالأمم المتحدة وبالعرب والأوروبيين لكي يتخذوا موقفا جادا في نهاية المطاف بشأن إرغام صدام على الإذعان لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالتفتيش على الأسلحة، يتوجب على بوش أن يبدو عنيفا ـ وكأنه قد القى بعجلة القيادة الأميركية وبات مستعدا لغزو العراق في الغد، وبمفرده. وهذه أسلوب فطن للغاية، ولو أدى لتكوين جبهة دولية جادة ومتحدة فقد يؤدي أيضا لإجبار صدام على الاستسلام والسماح بعمليات تفتيش غير مشروطة. وقد يؤدي أيضا الى حالة من الضغط الداخلي في العراق قد تدفع بشخص ما هناك للإطاحة بصدام. فلا أحد يدري ما سيحدث.

على انه ومن أجل حشد تحالف مستعد لمواصلة الضغط على صدام، والأهم من ذلك، للانضمام للحلف الذي تقوده الولايات المتحدة من أجل الإطاحة به إذا ما واصل التلاعب على الأمم المتحدة، والأكثر أهمية من ذلك، الاشتراك مع أميركا في إعادة بناء العراق بعد الإطاحة بحكومته ـ على الرئيس بوش أن يكون مستعدا لتقبل إجابة «أجل» من صدام، وأن يمنحه فرصة للإذعان.

على طاقم بوش أن يكون راغبا، إذا ما انحرف صدام جانبا بقبول عمليات تفتيش غير مشروطة، في عدم التهور أيضا وملاحقة عربته ثم الاصطدام بها. وهذا يعني ان على بوش أن يبدو عنيفا لكن بلا تهور.

فالتراجع يعد اسلوبا فائق الحساسية، وما يثير القلق هو أنه بينما اتفق طاقم بوش بشأن الحاجة لتبني موقف عنيف، يبدو أيضا انه منقسم بشأن درجة التهور التي يمكن تبنيها. ويبدو ان وزير الخارجية كولن باول مستعد لقبول إجابة «أجل» من صدام في حالة موافقته على تفتيش غير مشروط. وحتى لو لم نكن نثق بصدام، وحتى لو كنا نعتقد انه سيخدعنا في نهاية المطاف، يبدو ان باول قد أدرك اننا بحاجة لأن نبدو في حالة تقديمنا لعرض مقبول وأن نقبل أجابة نعم ـ إذا ما أردنا الاحتفاظ بتماسكنا وبالتأييد الشعبي في الولايات المتحدة.

لكن، وبالاستماع لبوش ولدونالد رامسفيلد وديك تشيني، فإن إجابة «أجل» من صدام فيما يتعلق بالتفتيش ليست كافية. وفي الخطاب الذي القاه يوم الاثنين، فصل بوش قائمة الشروط ـ بأن يسمح صدام باستجواب شهود العيان، على أنشطة غير مشروعة مورست في العراق، خارج البلاد، وأن يضع حدا لـ«ملاحقة» المدنيين العراقيين، وأن يضع حدا «للتجارة المحظورة».

هذه المطالب الإضافية تعد خطأ. فأولا وقبل كل شيء، يلاحق معظم حلفاء أميركا من العرب شعوبهم، كما يجمع العديد من العرب والأتراك والأوروبيين أموالا من التجارة المحظورة مع العراق. وعلينا أن نسلط الضوء على عدم إذعان صدام لمطالب الأمم المتحدة المتعلقة بالتفتيش، ذلك انه من المستبعد جدا ان يذعن صدام، وهو ما نود أن يراه العالم بوضوح. كما اننا لا نريد منح الأوروبيين أو العرب فرصة تعكير المياه بالقول: «حسنا، بالتأكيد لن يقبل صدام بعمليات التفتيش ـ فقد طالبتموه بأن ينتحر أيضا».

لا نريد أن يتمكن حلفاؤنا من القول بأن طاقم بوش عنيف ومتهور، ولذلك دعوهم يمضون بمفردهم. فالعديد من الحلفاء سيروق لهم أن: تتخلص أميركا من صدام، بحيث ينتقد العالم الولايات المتحدة لكونها بلطجية، وأن يتوجب على الولايات المتحدة تحمل نفقات إعادة بناء العراق. وتلك ثلاثية أوروبية.

وهذا أيضا قد يشكل فخا لأميركا. فلو غزونا العراق بمفردنا، سنمتلك العراق بمفردنا ـ وسنتحمل مسؤولية إعادة بنائه ليصبح دولة عربية أكثر تقدما بمفردنا. ومع انه مشروع يستحق المغامرة كما يبدو لي شخصيا، إلا أنني لا أعتقد ان الأميركيين مستعدون للقيام به بمفردهم، بدون غطاء من الأمم المتحدة أو بدون دعم مالي من حلف شمال الأطلسي ـ الناتو. الرئيس بوش يدرك تلك المسألة، وهو ما دعاه للقول: «سنعمل مع الحلفاء الذين يقفون الى جانبنا وسننتصر». وهنا أقترح القول: «إذا ما عملنا مع حلفائنا فإننا سننتصر». وإذا لم يتسن لنا ذلك فإن علينا أن نتبنى بدلا من ذلك سياسة احتواء عنيفة (الأمر الذي يعني: ألا نطالب بشيء، وألا نخبرهم بشيء، بل نقصف أية مواقع عراقية للأسلحة مشتبه فيها).

قد يكون مفيدا أن نلقي بعجلة القيادة من النافذة ما دمنا ندرك اننا نقود العربة بدونها. قد يكون مفيدا أن نبدو عنيفين لحث الحلفاء على الانضمام الينا. لكن إذا لم يفعلوا ذلك، فعلينا ألا نتحول من العنف إلى التهور وأن نغزو العراق بمفردنا. ذلك ان أولئك في منطقة الشرق الأوسط هم وحدهم الذين يجيدون التصرف بشكل متهور أكثر مما اعتدنا القيام به.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»