لا كونفدرالية ولا فيدرالية ثلاثية وما يقال مجرد أوهام

TT

آخر «تعليقة» بالنسبة لحشر الأردن، حشراً، في المسألة العراقية ما قيل، أو على الأصح، ما كتب زوراً وبهتاناً حول احتمال الاستعانة برئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد الكريم الكباريتي كمنسق للأمم المتحدة في العراق الى حين الاتفاق على حكومة وعلى نظام يخلف حكومة نظام الرئيس العراقي صدام حسين.

قصص كقصص «ألف ليلة وليلة» وكأن العراق احدى جمهوريات الموز أو احدى الدول القبائلية الافريقية وبحاجة الى مندوب سام وكأنه ليس بإمكان هذه الدولة العربية، التي ورثت واحدة من أقدم حضارات الشرق والتي أقام فيها العرب العباسيون امبراطورية كان لها حضورها الكاسح في عالم ذلك الوقت بأسره، توزيع كفاءات في كل المجالات لكل دول الكرة الأرضية.

أبدع عبد الكريم الكباريتي عندما شارك في لجنة دولية لتقصي الحقائق في الجزائر حول ظاهرة الارهاب، لكن هذا لا يعني على الاطلاق ان تلك السابقة يمكن أن ترشحه ليكون منسق الأمم المتحدة في العراق، فالعراق غير الجزائر والاشكالات العراقية غير المشاكل الجزائرية والعراقيون لا يحتاجون الى أي نوع من أنواع الوصاية عليهم والأردن لا يمكن ان يقبل بأن يتدخل في شؤون دولة عربية شقيقة.

لا نعرف من أين تأتي هذه القصص و «الفبركات» الخيالية وهي مثلها مثل ذلك الاصرار العجيب، من قبل صحف ووسائل اعلام ان هي ليست «رسمية» فهي شبه رسمية، على أن هناك خطة «وأي خطة»؟! لعودة الهاشميين الى العراق وأن هناك خطة «وأي خطة»؟! لإقامة «امبراطورية».. هكذا.. تشمل الأردن والعراق والفلسطينيين سواء كانوا دولة كاملة او منقوصة.

هذا كلام لا أساس له من الصحة وبعيد عن الحقيقة ويقيناً ان الذين يقفون وراءه إما صحافيون مفلسون لا يجدون ما يكتبون فيه وحوله واما جهات مغرضة هدفها خلق اشكالات للأردن مع اشقائه العراقيين والفلسطينيين ومع دول شقيقة مجاورة هي المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا.

لم يصمت الأردن ازاء هذه المسألة منذ البداية ولعل الذين استمعوا الى الملك عبد الله الثاني، وهو يتحدث عن هذا الموضوع، بآذانهم وقلوبهم وعقولهم وليس بآذانهم فقط تيقنوا من ان اثارة هذه المسائل مزعجة للأردنيين الذين لا يريدون لأشقائهم إلا الخير والصلاح والفلاح ولا يريدون اكثر من المحافظة على وطنهم وعلى توفير لقمة الخبز وأقلام الرصاص و«الكومبيوترات «نعم» الكومبيوترات» لأبنائه.

حضر الأمير الحسن بن طلال اجتماعا لضباط المعارضة العراقية في لندن ولقد أوضح الملك عبد الله وأوضح الأمير الحسن نفسه ملابسات ذلك الحضور وأكدت الحكومة الأردنية، مراراً وتكراراً، ان ما جرى لا يمثل موقف الدولة الاردنية وان الاردن لا يقبل ولا يمكن ان يقبل التدخل في شؤون دولة شقيقة على هذا النحو وبهذه الطريقة.

لكن ومع ذلك ورغم ان الملك عبد الله قال حول هذا الموضوع، لصحيفة بريطانية نقلت عنها كل الوكالات العالمية، كلاماً جارحاً وحاسماً وواضحاً وبلا لبس ولا غمغمة فقد بقيت بعض الصحف العربية التي هي إما «قومية» أو شبه قومية تتحدث في هذا الموضوع وتورد روايات وقصصاً ما انزل الله بها من سلطان.

رفع الملك عبد الله الثاني قبل فترة شعار: «الأردن أولاً» والمقصود ليس أن الأردن فوق الجميع ولا أن الأردن ليست له علاقة بقضايا امته العربية ولا انه تخلى عن هذه القضايا التي دفع من اجلها الكثير وعرض بسببها كيانه اكثر من مرة للأخطار.. ان المقصود هو ان الأردن لا يسمح لنفسه التدخل في شؤون الآخرين، حتى الأشقاء الأقرب اليه، ولا يسمح للآخرين ان يتدخلوا في شؤونه الداخلية حتى اخوته وابناء عمومته.

كل ما يريده الأردن في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة العصيبة هو المحافظة على نفسه والمحافظة على كيان يقع على حد سيف الصحراء من الرمثا في الشمال وحتى العقبة في الجنوب ومن الأغوار في الغرب حتى الحدود «التاريخية» مع العراق في الشرق وما عدا ذلك فإنها حكايات خيالية ولا أساس لها من الصحة.

«الأردن أولاً» تعني انه لا عودة بالمملكة الاردنية الهاشمية لا جغرافياً ولا سياسياً ولا ديموغرافياً الى ما كان الوضع عليه قبل يونيو (حزيران) عام 1967 وأن الدولة الفلسطينية المنشودة التي يستحقها الشعب الفلسطيني بعد كل هذه الدماء وبعد كل هذه التضحيات والعذابات يجب ان تقوم في الضفة الغربية وقطاع غزة، الأراضي التي احتلت في عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف.

«الأردن أولاً» تعني أن واجب الأردنيين ان يحافظوا على هذا الكيان وعلى هذا الوطن وأن تكون اولى اولوياتهم ان لا تحل مشكلة الشرق الأوسط على حسابه لا في صيغة كونفدرالية ثنائية ولا فيدرالية ثلاثية بعد اضافة العراق الى هذه الكونفدرالية الثنائية.

بما ان الوحدة العربية مؤجلة فإن الموقف القومي هو ان يبني العراقيون وطنهم وكذلك السوريون والمصريون والجزائريون، والأردنيون بالطبع، والبناء المطلوب ليس الذي يتركز على الجوانب السياسية فقط وانما يتعداها الى قضايا التنمية والاقتصاد واللحاق بركب الحضارة العالمية وان تكون مدارسنا وجامعاتنا وصحفنا بمستوى مدارس وجامعات وصحف العالم.

لا يقبل الاردن ان يكون جزءاً من معادلة لحل القضية الفلسطينية خارج أرض فلسطين، والهاشميون الذين وقفوا وقفة مميزة تجاه القضية الفلسطينية، دفعوا ثمنها غالياً، يكفيهم ما أصابهم وما وجهت اليهم من اتهامات وهم الآن اردنيون مسؤوليتهم الاساسية تتركز في هذا الوطن مع عدم التخلي عن مسؤولياتهم القومية بالدعم والمساندة وليس في التدخل بالشؤون الداخلية.

والأردن لا يقبل ان يزج نفسه أو أن يزج به في المسألة العراقية المعقدة والشعب العراقي لديه ما يكفيه ويكفي غيره من الكفاءات وهو شعب له الحق ان يقرر مصيره بنفسه وان يختار صيغة الحكم الذي يعجبه ويسعى اليه.. واذا كان هناك هاشميون عراقيون فإن هذه مسألة اخرى لا علاقة للأردن بها وهي قضية عراقية أولاً واخيراً.

نحن على بعد نحو مائة عام من بدايات القرن الماضي وخلال هذه الاعوام ترسخت حقائق ووقائع لا يمكن القفز من فوقها، ولذلك واذا كانت بعض القضايا قد أثيرت في أوقات سابقة فإن الزمن بكل معطياته قد تجاوز هذه القضايا ولهذا فإن الأردنيين يشعرون بأنهم اكثر انسجاما مع أنفسهم ومع اشقائهم عندما يرفعون شعار: «الأردن أولاً» وعندما يقولون، وهم صادقون، ان مهمتنا الاساسية هي هذا البلد وهذا الكيان وأن سياسات التدخل في شؤون الآخرين والتطلع عبر الحدود لم تجلب على هذه الأمة وعلى شعوبها الا الويلات واكبر شاهد على هذا تلك القفزة غير الموفقة في اتجاه الكويت صبيحة الثاني من اغسطس (آب) عام 1990.

لقد قال الأردن ويؤكد القول ان لا صحة لكل ما يقال لا حول الكونفدرالية الثنائية ولا حول الفيدرالية الثلاثية، والأردن يرفض اي صيغة تمس حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق في وطنه فلسطين الذي لا وطن له غيره، وتمس حق الشعب العراقي في ان يقرر مصيره بنفسه وان يختار صيغة الحكم التي تعزز وحدة وطنه وتعطي كل ابناء هذا الوطن كل حقوقهم في وطنهم.

قالها الملك عبد الله الثاني مراراً، وما يقوله الملك عبد الله بالنسبة للأردنيين هو القول الفصل: ان مهمة الأردنيين في هذه المرحلة هي المحافظة على الأردن، الكيان والوطن، وهي الارتقاء بوطنهم الى مستوى الدول المتقدمة وما عدا ذلك فإنه اما محاولات مغرضة هدفها خلق الاشكالات مع الاشقاء والدول الشقيقة واما خيالات حالمين لا اساس لها على ارض الواقع والحقيقة.

انشغل الاردنيون بقضايا امتهم لسنوات طويلة على حساب قضاياهم الخاصة التي هي قضايا قومية ايضا، اذا نظرنا الى هذا الامر من زاوية غير الزوايا السابقة، وبقوا خلال هذه السنوات موضع اتهامات و «لا حمداً ولا شكوراً» الآن فإن معطيات العصر والمرحلة تملي عليهم ان يهتموا بالشأن الاردني الداخلي وأن يضعوا في اعتبارهم دائماً ان العاجز لا يستطيع مساعدة شقيقه المحتاج وان الجاهل والأمي لا يقدر ان ينشئ جامعة لجاره او ابن عمه وأنه عندما تكون الدول العربية في مستوى الدول المتقدمة فإن الأمة العربية تكون حتما في مستوى الأمم الحية والمتقدمة.