الحاجة إلى أدوية رخيصة الثمن

TT

بعد سنوات من الجدل، تقترب الولايات المتحدة الآن من إصدار تشريعات تهدف إلى الوصول بشكل أسرع وبتكاليف أرخص للأدوية ذات التركيب الأصلي قبل أن تُمنح أسماء تجارية مختلفة.

وهذا الإجراء هو إعلان مفرح لأولئك الذين يؤمنون بأن انخفاضا شديدا في أسعار الأدوية سيساعد على إنقاذ حياة الملايين من الناس، خصوصا في البلدان الفقيرة.

وظلت شركات الأدوية العملاقة التي ينتمي معظمها إلى الولايات المتحدة تحاجج لعدة سنوات في أن عليها أن تفرض أسعارا عالية بسبب حاجتها إلى تغطية نفقات مشاريع البحث الباهظة. وهذا ما جعلها مصرة على إبقاء الأدوية الجديدة تحت احتكار الشركات التي تقوم بتطويرها لفترة لا تقل عن خمسة عشر عاما.

ليس هناك أي شك في أن البحث وتطوير عقارات جديدة يتطلبان استثمارات كبيرة، لكن في الوقت نفسه، ليس هناك أي سبب لأن تستغل هذه الحقيقة بعض الشركات العملاقة لكي تحصل على أرباح خيالية بينما هناك الملايين ممن يعانون أو يموتون بسبب ارتفاع أسعار الأدوية.

وحسب تقديرات غير منحازة فإن أسعار الأدوية ذات التركيب الأصلي تقل عن أسعار الأدوية ذات العلامات التجارية المختلفة بسبعين في المائة، ومع ذلك تظل قادرة على أن تكون تجارة رابحة.

وقد تكون لهذه الإجراءات الجديدة التي أعلن عنها الرئيس الاميركي جورج بوش أول من أمس صلة بانتخابات الكونغرس القريبة في الولايات المتحدة. فلعل بوش يريد أن يظهر للناخبين الأميركيين أنه غير متأثر بقضية العراق وأنه قادر على مواصلة الاهتمام بالمسائل الداخلية.

ولا بد أن المقاومة القوية من الولايات المتحدة كانت عاملا أساسيا لمنع إنتاج أوسع للأدوية ذات التركيب الأصلي وبيعها في البلدان النامية.

ففي أفريقيا السوداء، التي يقدَّر وجود خمسين مليون شخص فيها مصابين بمرض الأيدز، ولتوفير الأدوية لهم تحتاج هذه البلدان لأن تنفق ما يقرب من 3 آلاف دولار لكل مريض. لكن معدل دخل الفرد في هذه البلدان لا يزيد على خمسمائة دولار سنويا، وهذا ما يجعل قليلا من الناس قادرين هناك على شراء هذه الأدوية.

وعلى مستوى أوسع، نحن نعلم أن ثلث البشرية تعيش على أقل من دولار يوميا. وبالتأكيد لا تتمكن هذه الشريحة الضخمة حتى من الحلم بشراء هذه الأدوية الباهظة الثمن، ناهيك من تلك الأدوية التي يعتبر الحصول عليها نوعا من الترف.

وبدرجة أقل تظل آلاف من الأدوية الأخرى بعيدة عن إمكانيات الكثير من الناس. فتكاليف العلاج الباهظة تجعل أربعين في المائة من الجنس البشري عاجزين عن الحصول على أحدث ما ابتكره العلماء.

على الأقل تستطيع الولايات المتحدة الآن أن تلعب دورا قياديا على المستوى العالمي لتحقيق أسعار أرخص للأدوية ذات التركيب الأصلي.. ولذا يجب ألا يظل الإجراء الذي صرح به بوش أول من أمس حكرا على الولايات المتحدة فقط.