لماذا هذا الصمت الغريب؟

TT

تعيش الامة العربية في هذه الايام حالة غير مسبوقة من القلق والتوتر والغضب، نتيجة لما يحدث في الارض العربية بفلسطين، والتوقعات المنتظرة بضرب العراق، وتطفي التساؤلات عن مصير شعب فلسطين وما يدبر له من خطط تطيح باحلامه المشروعة في تحرير أرضه وإقامة دولته واختبار قيادته، وسط الاجراءات العنيفة التي تقوم بها حكومة أرييل شارون من إعادة احتلال مدن الضفة وحصار وتدمير مبانيها وقتل الابرياء من الاطفال، واعتقال المئات من دون اتهام أو محاكمة وعما يمكن ان يحدث للعراق وسط الانباء التي تؤكد اصرار الادارة الاميركية على الغزو رغم المعارضة المتصاعدة داخل وخارج أميركا.

الموقف متفجر والامن القومي العربي مهدد بصورة شاملة، والكارثة لن تكون داخل حدود العراق فقط، والايام المقبلة سوف تكون اكثر إيلاما، ولذا فإن الظروف لا تسمح لنا بالجلوس في مقاعد المتفرجين ننتظر المشاهد الدموية المأساوية المرتقبة، ونكتفي بالنقد والرفض والادانة.

كل الامور الجارية والتوقعات المنتظرة تدفع الى الحركة بدلا من السكون، وما يحدث الان لن يقتصر خطره وضرره على شعب فلسطين وشعب العراق وحدهما، وانما سوف تلحق الكارثة بجميع الشعوب العربية التي قد تتعرض لمثل هذه الاخطار اذا ما شاءت الادارة الاميركية تنفيذ ارادتها وفرض هيمنتها وسيطرتها المنفردة.

الاحوال الاقتصادية في الدول العربية سوف تتأثر تأثيرا مباشرا من الغزو العراقي في شتى المجالات، الامر الذي يزيد من ارهاق الشعوب، وهو ما يفتح المجال امام الافكار والتنظيمات المتطرفة للقيام بأعمال ارهابية تزيد الموقف تعقيدا، ونحن مازلنا نعاني من ظاهرة الارهاب التي تكررت خلال الفترة الاخيرة في جزيرة بالي والكويت وتوسن والجزائر، مما يؤكد ان جذور العنف والارهاب اعمق وأبعد كثيرا من مجرد اتخاذ اجراءات امنية أو عسكرية، وان مقاومة الارهاب والتطرف تحتاج اساسا الى علاج المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، الى جانب وضع حلول الجماهير اذا اقتصر دوره على بيانات الشجب والادانة من دون ان يكون للجامعة العربية دور ايجابي ملحوظ في حشد طاقات الامة العربية وتحريكها لدفع الكارثة التي تعرض لها شعب فلسطين والغزو الذي يتوقعه شعب العراق.

ولا شك ان الجامعة العربية تعاني من مواقف بعض الاقطار التي فتحت ارضها لتكون قواعد غزو تنطلق منها القوات الاميركية، وتعاني ايضا من ان اتفاقية الدفاع المشترك معطلة عن العمل، وان مجلس الدفاع العربي المشترك لم ينعقد ولم توجه له دعوة للانعقاد، وتعاني اخيرا من أن مجال المناورة في السياسة الدولية قد اصبح صعبا ومحصورا بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط المعسكر الاشتراكي، ومع ذلك لابد من البحث عن دور لها بدلا من الجلوس في مقاعد المتفرجين حتى تكون جامعة للانظمة والشعوب العربية التي يجب ان تتلاحم في هذه الظروف حتى تصبح قوة واحدة معبرة عن حقيقة طاقات الامة العربية.

والاسئلة التي تثقل قلوبنا وتجثم على صدورنا يجب ان تتغير، لا يجوز ان نكتفي في مأساة شعب فلسطين ببيانات الادانة والتساؤل عن موعد نهاية ما تقوم به حكومة أرييل شارون، ولا يجوز ان تقتصر رؤيتنا لأزمة العراق بالتساؤل عن متى وأين وكيف يحدث الغزو؟

والقضية هي ماذا يجب ان نفعل؟

والحدود التي يمكن ان تتحرك فيها ليست مفتوحة، والظروف التي يمر بها العالم الآن ليست مؤاتية، ومع ذلك فإنه يوجد مجال لإثبات الوجود والكيان العربي والاسلامي في مواجهة ما تعيشه الامة من مآس وما تتعرض له من أخطار، من دون الاستجابة الى الدعوات المتطرفة الى الدخول في حرب لا تتوفر لها الظروف المناسبة، واذا استبعدنا هذا الخيار لوجدنا ان الخطوة الاولى التي يجب اتباعها هي التأكيد على عدم التطبيع مع اسرائيل في شتى المجالات والدعوة الى مقاطعة البضائع الاسرائيلية والاميركية والبريطانية لانه سوف يكون لها في كل الظروف تأثير قوي على الشركات التي يمكن ان يؤثر موقفها على القرار والادارة الاميركية.

وهناك دعوات تطلب في حالة غزو العراق سحب السفراء العرب من لندن وواشنطن، وهو امر يمكن ان يبحث في هدوء لمعرفة تأثير هذه الخطوة على الرأي العام في هذه الدول.

واخيرا، فإن الجلوس في مقاعد المتفرجين لا يتيح لها في مواجهة الظروف المأساوية التي نعيشها سوى صيحات الغضب والاستنكار، وهي في كل الحالات تعتبر الحد الادنى الذي يمكن ان ينفع في اسدال الستار عن المسرحية بدلا من استمرار مشاهدها العدوانية العنيفة، ومن هنا فإن المظاهرات في شوارع المدن العربية رغم انها وحدها لا توقف احتمال ضرب العراق، ولكنها تعبر عما تحمله الصدور من توتر وغضب، وتأكيد بأن الانظمة تتجاوب مع الشعوب بدلا من هذا الصمت العجيب.

ولابد من التركيز بأنه من الغباء والاجرام ان تتحول المظاهرات الى تخريب ممتلكات، ومن السذاجة التصور انه يمكن للجماهير ان يكون لها وحدها موقف مؤثر بعيدا عن الانظمة.

وهنا نشير الى المظاهرات التي قامت خارج حدود الامة العربية، في لندن خرج نصف مليون في مظاهرة من اكبر المظاهرات التي عرفتها بريطانيا، وفي ايطاليا احتشد ما يقرب من المليون، وقامت مظاهرات في استراليا والمانيا واليونان، وفي الولايات المتحدة سارت مظاهرات في اكثر من 24 مدينة منها واشنطن ونيويورك، وهذه المظاهرات هي تعبير عن موقف الرأي العام العالمي، وهو في مضمونه صدى لما تتعرض له المنطقة من مآس واخطار، ولذا فإن استمرار وتصاعد المظاهرات في الدول العربية والاسلامية لا يعتبر مظهرا شكليا وانما يعتبر دافعا لاشعال حماسة الرأي العام في الدول الاوروبية والاميركية، ولذا يجب تشجيع هذا التعبير عن المشاعر الغاضبة حتى يكون لمقاعد المتفرجين دور اذا كنا غير قادرين لظروف مختلفة ان يكون لنا دور في مسرحية السياسة الدولية.