مشتركات عدة بين القاعدة واليمين المسيحي

TT

ان امريكا لم تكن يوما عرضة للكراهية الكونية مثلما هي اليوم، ولم تتورط في إدارة متطرفة برئيس واجهة، منقاد وراء استراتيجية من بنات تفكير يمينيين/ مسيحيين متصهينين كما هي اليوم في عهد بوش.

ان بوش، في التحليل الأخير، مجرد بن لادن مقلوب...! كيف؟!

بن لادن قام (باسم الإسلام) بتقسيم العالم الى سفطاطين أو دارين: دار الإسلام ودار الحرب، حلف «القاعدة» وحلف اليهود والصليبين، أي في محصلة المعادلة النهائية وضع العالم في دائرة الصراع بين الخير الذي يمثله هو وفرقته «الناجية»، وبين الشر الذي يمثله أعداؤه من اليهود والصليبيين!

وبوش، بسبب طبيعة النظام الدستوري العلماني، لا يستخدم مباشرة تعبيرات الخطاب اليميني المسيحي الأصولي المتصهين والذي يشكل الايديولوجية الحاضنة للنخبة السياسية المهيمنة على الإدارة الامريكية والكونغرس.

لكن المضمون اليميني المسيحي المتصهين هذا راسب في مبدئه وعقيدته ورؤيته السياسية المرسومة له والتي يعبر عنها ويكررها في الخطابات المعدة له بروح انجليكانية أصولية متصهينة، ومنطق يميني متعصب من قبل محترفين في تغميض المعنى بحيث يظهر بوش مجرد قارئ خطابات من تحرير السلطة الخفية الحاكمة فعليا!

وفي هذه الخطابات ترشح تعبيرات صراع الخير الذي تمثله امريكا وديموقراطيتها وقيمها ضد الشر الذي يمثله، عند بوش وفرقته «المصطفاة»، بن لادن وما يؤمن به ويضاف إليه التنظيمات والجماعات المصنفة في خانة «الارهاب»، وكذلك الشر الذي تمثله القائمة المفتوحة لدول «محور الشر».

وكما هو معروف فان الشر والخير مفهومان دينيان، مثلما هو التعبير الديني الذي يصف امريكا «المدينة المشعة على التل» والذي استخدمه ريغان ضد امبراطورية الشر الظلامية، واستخدمه بوش ضد «ظلامية البرابرة الجدد!».

ومن منطلق «الخير والشر» هذا ابتكر منظرو اليمين، على لسان بوش، مبدأ معنا أو ضدنا، إلهنا و إلههم، عالمنا وعالمهم، وإرهابهم وحربنا على الإرهاب، التي هي، في الحقيقة، إرهاب مضاد، من تخطيط عقل عسكري فاشي يعتمد عقيدة «الضربات الاستباقية» التي هي من بنات خيال أمني بارانوي، وقد اعتمدها هتلر في حروبه وتعتمدها اسرائيل منذ نشأتها!

ان مفهوم الحرب الصليبية الذي قيل انه زلة لسان يبدو انه لم يكن كذلك. فالممارسة السياسية للادارة الامريكية واستراتيجية «عقيدة بوش» ومواقف رجال الكونغرس، الجمهوريين خاصة، وتصريحات النخب الدينية والفكرية الموالية للجمهوريين تثبت يوما بعد يوم اختلاقها لنظرية «صراع الحضارات» واصرارها على تطبيقها عمليا من خلال تهييج الرأي العام وغسل أدمغته بفكرة ان المسلمين هم برابرة الحضارة وانهم يكرهون المسيحيين واليهود لأنهم مسيحيون ويهود فقط، ويخططون لتدمير امريكا واسرائيل!

ان بوش (شخصيا) أصولي من اتباع «الصحوة» المسيحية الأصولية والوطنية اليمينية المتصاعدة منذ أواخر القرن العشرين. وهو يؤمن بخرافات العقيدة «المسيحية الصهيونية» التي هي، في الأساس، وراء فكرة تأسيس أمريكا، بل ان المفكر الإسرائيلي البارز، اوري افنيري، يؤكد ان «المشروع الصهيوني هو الذي اسس امريكا». فالآباء المؤسسون الأوائل آمنوا بالتوراة وتحدثوا بالعبرية وأطلقوا على أنفسهم أسماء توراتية واعتبروا قارة الهنود الحمر المبادين «اسرائيل الجديدة». وبوش متشبع بهذه الخرافات، وبأن امريكا أمة اختارها الرب، وهو القائل اثناء ترشيحه لنفسه حاكما لولاية تكساس: «ان الذين لا يؤمنون بيسوع لن يدخلوا الجنة»، ولأن اليهود لا يؤمنون بالمسيح فقد أختلقت الأصولية البروتستانتية الانجيلية المتصهينة تركيبة دينية هجينة تسمى «الصهيونية المسيحية»، وهى قديمة قدم استعمار البيض لأمريكا وقد تطورت الى نحو تربط فيه عودة المسيح ببقاء اسرائيل على كامل أرضها التوراتية! وقد وصلت هذه الأصولية المتعفنة، اليوم، الى تشكيل ما يعرف بالتحالف المسيحي ـ الصهيوني، وهو الذي جاء ببوش الى البيت الأبيض واحاطه باليمينيين العنصريين مثل ديك تشيني (الملك الخفي!) ورامسفلد (آخر صورة لجون وين!) وبالصهاينة الصريحين مثل فولفتز وريتشارد بيرل، وبالأصوليين المتطرفين مثل اشكروفت، وزير العدل، الذي يبدأ اجتماعاته الوزارية بالصلاة الانجيلية في دولة علمانية، ولا يتوانى عن إلقاء التصريحات العنصرية ضد الإسلام والمسلمين وربهم، ويصل الى حد التمييز بين إله مسيحي مسالم رفيق رقيق وإله إسلامي «يرسل الناس ليموتوا من أجله»، دون ان يوبخه رئيسه على مواقفه العنصرية العدائية، وإليه، ينشط رجال دين مقربون من بوش في حملة اعلامية صليبية منظمة تستهدف ترسيخ صورة نمطية كريهة عن الإسلام في الذهنية الامريكية، ترتكز على تثبيت مقولات صليبية تصم القرآن بأنه «كتاب لتعاليم العنف» والنبي محمد (صلعم) بحسبانه «قاتلا وارهابيا ومتعصبا» أو يصفه أحد أصدقاء بوش، الأصولي المحنط المدعو بات روبرتسون بأنه: «متطرف ذو عيون متوحشة... أما هؤلاء الارهابيون فهم لا يحرفون الإسلام وانما يطبقون ما في الإسلام».. وإلى جانب حملات الأصوليين تنشط مؤسسات اليمين الاعلامية في شن حملات تشويه مدبرة ضد العرب، ترسم صورة استشراقية مقيتة للعربي بوصفه: «ساديا، خؤونا، منحطا، تاجر رقيق، راكب جمل، ضخاخ نفط، غشاشا، وغدا، متعدد الظلال، وشهوانيا ومتعطشا للعنف بطبعه».

قد يذهب بوش الى مساجد اسلامية ويخلع حذاءه قبل الدخول ويقول قولا جميلا، لكن مشاعره وتوجهاته الحقيقية وتحالفاته السياسية وتركيبة شخصيته اليمينية العنصرية المعروفة منذ كان حاكما لتكساس، هي التي تتحكم في إدارته للعبة السياسية، وإلى ذلك، طبعا، خضوعه الذليل لمطالب اسرائيل وأهواء شارون مجرم الحرب النازي، الى درجة وصفه بـ«رجل سلام». ولم يكتف بذلك وانما صعد من مديحه لشارون بان وصفه، في زيارته الأخيرة الى البيت الأبيض، بـ«الإنساني»، وليس بمستغرب ان يصفه في زيارة قادمة بـ«الملاك!».

والسؤال: هل الإدارة الامريكية تستهدف الإسلام في ذاته صراحة ومباشرة؟ ـ بالطبع لا! فأمريكا تحكمها في الرؤية الاستراتيجية الكلية معطياتها كامبراطورية كونية وحيدة (الى الآن!)، وهي تحلم ان تكون كذلك الى الابد أو لألفية قادمة على أقل تقدير، ألفية رايخ ابيض انجلوساكسوني متصهين! وبالتالي فان ما يحرك مخططاتها للهيمنة هي اهداف اقتصادية استراتيجية بالدرجة الأولى، لكن الأفكار الايديولوجية المتفوقة ضرورة حيوية لتسويق هيمنة الامبراطوريات الكونية (من رومتت العالم قديما الى أمركته حديثا). وفي هذه الحالة فان الامبراطورية الامريكية في قبضة اليمين الأصولي الحاكم مشبعة بأوهام صراع الحضارات ومحتقنة بعدوانية مهسترة، وبالتالي فهي في حاجة الى اختلاق عدو حضاري ضخم ذي ثقافة شاملة مناقضة تطرح نفسها مشروعا كونيا لخلاص البشر قاطبة، وفي هذه الحالة لن تجد امريكا اليمينية لها أفضل من الإسلام عدوا متوهما سيما ان مناطق النفوذ المستهدفة السيطرة عليها تقع جلها في العالم الإسلامي!!!