إنهم يزحفون نحونا

TT

«حمزة الحسن» كاتب عراقي لا أعرفه لا بالاسم ولا بالصورة، وقد يكون اسمه مستعارا وقد يكون حقيقيا وقد يكون أي واحد منا. قرأت له في الانترنت مقالتين مؤثرتين جدا جعلتاني من شدة التأثر اجهش بالبكاء على الحالة التي نعيشها نحن العرب والمسلمين في هذه الايام، ارتأيت ان انقل مقاطع منها هنا لعل في تعميمها فائدة لتحريك الوعي العربي العام.

في المقالة الاولى، وهي بعنوان «مرثية على قبر نوري السعيد!» قال فيها: «هل ارثيك ام اعتذر منك بعد مرور اكثر من اربعين سنة على ذبحك بتلك الطريقة العراقية المعروفة عبر التاريخ؟.

كنت تسافر الى بريطانيا من أجل اتفاقية علنية، في حين صار خصومك يذهبون الى ما كانوا يسمونها الدول الامبريالية سرا، ويقدمون خدمات خاصة لاحتلال بلدهم ثم حدث ما كان متوقعا حين رفستهم هذه القوى الكبرى واعلنت بكل وضوح لهم: انكم عملاء صغار لا نفع فيكم، قدمت خدمات لنا، وحرضتم ولن نختار منكم زعيما أو رئيسا لأنكم لا تستحقون احترام شعبكم اليوم أو غداً.

وهم يرفعون شعارات الخيانة والعمالة ودعوة الاجنبي ضدك.

تقول الوثائق البريطانية، ان نوري السعيد كان يأتي الى بريطانيا مفاوضا عنيدا من أجل بلده، ولكننا نفاجأ بمظاهرات تنتظره عند العودة تتهمه بالخيانة!

لم تكن قديسا ولم تكن خائنا ولم تستحق هذا العقاب الذي يليق بغيرك.

وفي هذه الوقفة اسمح لي ان اصلي على روحك واعتذر لك نيابة عن قتلتك.

لم تكن تعرف انك ستذهب الى محكمة التاريخ وستنصفك وان خصومك سيذهبون يوما علنا وعلى الشاشات الى المزبلة!».

وأمامي المقالة الثانية وهي بعنوان: انهم يزحفون نحو قبر علي بن ابي طالب! قال فيها:

«من يعود بذاكرته قليلا الى ثقافة النصف الثاني من القرن العشرين يجد ان عصافير كثيرة كانت تغرد فيها ليس بينها اي عصفور عراقي أو عربي.. فمن ينسى مثلا عصافير مدريد أو موسكو أو غرناطة أو بكين؟ فلماذا كان المثقف العربي يحشد الناس ويحرضهم على عشق ساحة السلام السماوي في بكين وينسى جماليات ساحة التحرير؟ ولماذا؟ كان يغني.. على امجاد القطار الاممي الذي انطلق من باريس لنجدة الجمهورية الاسبانية الفتية ثم خرس فجأة في ايامنا هذه ولم يعد يطالب بقطار عربي مثلا لنجدة الدولة الفلسطينية الفتية؟ هل لأن عصافير غزة تعيش بين الخرائب والانقاض والجثث أو لأن العصفور الفلسطيني نسي رقته عندما قرر ان يحمل الحجر ويعلن الاضراب عن الزقزقة امام بلدوزرات جيش الاحتلال؟ هل مشكلة العصفور العراقي لأنه لا يرقص على الروك والجاز بل على الطبلة والربابة؟

ولماذا مثلا لا تكون ساحات القدس ومناراتها وعصافيرها في مستوى الساحات الحمراء والخضراء و...

وفي العالم العربي ساحات كثيرة تنتظر الحشد والتعبئة من أجل معارك الحرية والاستقلال في هذه الحقبة الوحشية من العالم. وفي العالم العربي عصافير كثيرة جميلة مثل عصافير بكين وهافانا أو موسكو أو مدريد تنتظر ان نغني لها ونحشد القطارات العربية دفاعا عن كرامتها. فلماذا هذا الصد عن العصافير العربية، وذلك العشق لاسماء والموت من أجلها لمجرد انها ليست عربية؟

هل ان حمام الاضرحة في العراق يختلف عن حمام سايغون مثلا؟ هل ان عصافير الجنوب اللبناني اقل جمالا تحت الاحتلال من عصافير كوبا ولا تستحق ان تكون جزءا من النظام الشعري أو الخطاب السياسي العربي؟ أين ذهبت ايام التضامن الاممي والنضال ضد الامبريالية والاستعمار الجديد الذي وصل يوما الى حد المطالبة وحشد الناس على السفر في قطارات ثورية لنجدة الثورة في كوبا أو نيكاراغوا أو شيلي أو موزمبيق؟

نحن ايضا عندنا ارض عربية محتلة وعقول محتلة وضمائر محتلة وكبرياء محتل وارض جديدة مرشحة للاحتلال..

أين ذهبت قصائد ومقالات التمجيد بتمثال بوشكين أو ضريح لينين؟ نحن عندنا ايضا تمثال المتنبي وعندنا اضرحة قادة عظام اطول من قامة لينين وشعراء كبار أعمق من بوشكين كإمام الفقراء علي بن ابي طالب وشاعر العرب الاكبر الجواهري وغيرهم الكثير الكثير. ألم يصرخ ستالين عندما كانت الجيوش النازية على ابواب موسكو: انهم يقتربون من تمثال بوشكين، فاندفعت الجماهير نحو ميادين القتال لأن بوشكين ليس تمثالا من الرخام بل هو رمز الكبرياء الوطني.

لماذا لا يصرخ المثقف العربي اليوم قائلا: ان البرابرة من كل الاصناف يقصفون ارض علي بن ابي طالب كل يوم وانهم يزحفون نحو قبر علي ويدنسون القدس ويوسخون الجولان؟ هل لأن عصافير الجولان عربية لم تتخرج من مدرسة الاعداد الحزبي في موسكو أو بكين، وتعلمت الموت الصامت على مقربة من رياح جبل الشيخ رمز الكبرياء العربي؟

أين ذهبت كل كلمات الرثاء للشاعر الاسباني لوركا في هذه الحقبة التي يقتل فيها كل يوم طفل في فلسطين لم يتخرج من مدرسة التكتيك والاستراتيجيا، بل من مدرسة الحجر التي انتجت جيلا عربيا علَّم العالم معنى الفرح والموت والرقص أمام فوهات البنادق.

لماذا نسي المثقف العربي هذه المعجزة الكبيرة وظل وفيا لحمامات غرناطة وموسكو ومدريد وبكين..؟

هناك احتلال للارض.. والوعي.. والضمير.. والثقافة العربية.. واللغة باتت مستباحة من الوعي المشوه.. هل نصرخ في هذه الصحراء من الصمت والجهل!

انهم يزحفون..».

كانت تلك مقاطع من مقالتين لكاتب عراقي أو عربي أو شرقي يئن من ثقل الاوزار التي يحملها المثقف في بلادنا المحتلة أو المرشحة للاحتلال في ظل استرخاء بل استكانة عجيبة ومريبة للنخبة لا سابق لها، واظـن ان انينه يصلح ان يكون تعبيرا صادقا لانين الملايين من حولنا.

ولم يبق عندي ما اضيف عليه بعد سماعي للترهات والشعوذات التي نقلتها احدى الفضائيات الاميركية على لسان قس مسيحي متعصب، عن نبي الرحمة، والعدل والسلام، نبينا ورسول رب العالمين محمد بن عبد الله، واتهامه له بالارهاب وما شابه!... سوى ان اصرخ معه ومع الملايين من جماهيرنا:

إنهم يزحفون نحونا..