دعكم من لبنان عليكم بالاكوادور

TT

سألت المضيف على طائرة «الخليج» من اي منطقة هو في البحرين، فاجاب ضاحكا: «من لبنان». واعتقدته يسخر مني، فاذا به يسخر من نفسه. وافاض شرحا بان الحي الذي يسكن فيه كثير المشاكل والمسائل، ولذلك فقد اسمه الاصلي واصبح يعرف «بلبنان». يا أخضر حلو! وقد دخل اللبنانيون المعركة الانتخابية في البحرين، بغير علم منهم. ففي حماسه من اجل المسار الديمقراطي اعطى الكاتب عبد المنعم ابراهيم في صحيفة «اخبار الخليج» الاكوادور مثالا. وقال ان في معركتها الرئاسية عشرة مرشحين من اصول عدة بينهم لبنانيان، رسامة ومزارع. وسرد سيرة المرشحة ايفون عبد الباقي كما اوردها حكواتي اميركا اللاتينية ومراسلنا الكوني كمال قبيسي. وما بين حي «لبنان» في «الرفاع» ومعركة اللبنانيين في «كيتو» على القصر الجمهوري الذي احتله من قبل لبنانيان على التوالي، يفهم من انطباع البحرينيين العام ان عليك بالاكوادور ودعك من لبنان. فاللبنانيون في الخارج، لسر عنده وحده سبحانه وتعالى، هم غيرهم في الداخل. ما ان يطأوا مطار بيروت بهدف المغادرة حتى يتحولوا الى اهل نظام وقانون. لكن عندما تراهم في قاعة الوصول ترى جنسا آخر من البشر، وتدرك انهم سوف يتوجهون فورا الى الخارج للعبور على اول ضوء احمر والسير (بالسيارة) على الرصيف.

عرفت المهندس سامي عبد الباقي وعقيلته ايفون منذ سنوات عديدة. فقد كان سامي من اوائل الذين ذهبوا للعمل في الكويت في الستينات. وعاد الى بيروت فعمل حتى نشوب الحرب فهاجر هذه المرة الى نيويورك، حيث انصرفت ايفون عبد الباقي الى الرسم الجميل واقامة المعارض في غاليريهات مانهاتن.

وكنت غالبا من المواظبين على حضور حفلات الافتتاح.

لم تفاجئ احدا كرسامة تشكيلية، لكنها بالتأكيد فاجأت الجميع بخوض معركة الرئاسة في الاكوادور. على ان ايفون عبد الباقي ـ مثل جميع اخوتها ـ لم تتخل يوما عن العلاقة بالبلد الذي بدأ والدها حياته فيه بائعا للموز، في الزمن الذي كان شائعا ان تسمى جميع دول اميركا اللاتينية «جمهوريات الموز». وذلك لان شركات الموز الاميركية الكبرى هي التي كانت تدير السياسة في تلك البلاد الفقيرة.

ولم يدرك فادي خوليس، شقيق ايفون، ان تمسكه بجواز سفره الاكوادوري قد يودي به. فقد سافر مرة الى احدى الدول العربية للبحث في مشروع من مشاريع التحلية، باعتباره من كبار الموظفين في شركة «متيتو» للتحلية. ووصل الى المطار ومعه زوجته فقدم الجواز الى الموظف وفي ظنه انه ينتظر دوره. ولم يكن يعرف انه في بعض المطارات قد ينتظر المرء مصيره! وبدا ان موظف الجوازات لم يكن قد سمع بالاكوادور من قبل، فراح يقلب صفحات الجواز ويتأملها، ثم يتأمل صورة فادي ثم وجهه، وفي النهاية وقف غاضبا وهو يحمل الجواز في يده ونادى على رئيسه قائلا: «واحد جاسوس تعال خذه».

واسرع رئيسه طربا لكي يعتقل الجاسوس الغامض ويأخذه، فما كان من زوجة فادي الا ان رمت نفسها عليه، وقالت تأخذونني معه، وبعد تحقيق اتسم باللطافة والكياسة، تبين لموظفي المطار ان الرجل قادم بدعوة من الحكومة وانه لبناني من مواليد بلد اسمه الاكوادور، وان من جملة مآسي البلد المسكين ان موظف المطار لم يسمع به من قبل! واذا فازت ايفون بالرئاسة سوف يتذكر الموظف المذكور ان البلد الذي ظنه غير موجود، هو بلد يعمل فيه الجيل اللبناني الاول باعة موز ويصل فيه الجيل الثاني الى رئاسة الجمهورية.