أزمة تأخرت

TT

الخلاف الذي يعصف بالحكومة الاسرائيلية الحالية نتيجة موقف حزب العمل وتهديده بالانسحاب من الائتلاف الذي يقوده ارييل شارون ليس مستغربا، بل الغريب هو هذا التحالف المصلحي الذي جمع بين الليكود واليمين المتطرف وحزب العمل الاسرائيلي الذي بنى سمعته ومصداقيته منذ ايام اسحق رابين على الترويج لعملية السلام مع الفلسطينيين والتشجيع على الحوار والتعايش وايجاد حل نهائي للصراع.

فالغريب ليس الخلاف، بل الغرابة في انه تأخر وفي استمرار حزب العمل، ممثلا بوزير الدفاع بنيامين بن اليعزر، ووزير الخارجية شيمعون بيريس في ذلك التحالف رغم كل السياسات البطشية والقمعية التي ينتهجها شارون، الذي جاء الى الحكم على اساس هدم اتفاقات اوسلو التي ابرمها حزب العمل نفسه. ووقت الاعلان عن هذا التحالف شعر كثيرون بالحيرة نتيجة تضحية حزب العمل بكل ما روج له في السابق مقابل ان يكون له تمثيل في الحكومة، فحتى الاطراف العربية التي تعاملت مع الحزب ايام كان في السلطة وتعاملت معه في جهود السلام بدأت تتساءل عن مدى مصداقية هذا الحزب واذا كان ما يقوله سابقا عن السلام مجرد مناورات ام حقيقة.

والخلاف الحالي حول الميزانية الاسرائيلية ورغبة شارون في رصد اموال للمستوطنات اليهودية، في حين يريد حزب العمل تحويل هذه الاموال الى الفقراء، يعكس التباين الآيديولوجي بين الجانبين بدرجة واضحة للغاية، فشارون بعقليته التوسعية غير المؤمنة بالسلام يبدو انه يريد ان يمضي في غيه ويواصل توسيع المستوطنات رغم انه يعرف ان ذلك مثل صب الزيت على النار، وان المستوطنات هي اكثر النقاط اشعالا للموقف في الاراضي الفلسطينية، واكثرها تفجرا بما يقضي على أي آمال في السلام.

وحزب العمل اذا اراد اثبات مصداقيته كحزب يؤمن بالسلام امام لحظة اختبار حقيقية، فعليه ان يثبت حقيقة انه ضد سياسة الاستيطان في الاراضي الفلسطينية حتى لو خسر مواقعه في الحكومة، لان الاحزاب الحقيقية لا تناور في مبادئها او استراتيجيتها والا فقدت مبرر وجودها على الساحة السياسية حتى لو كانت رؤيتها لا تلقى شعبية في المدى القصير.

كما ان تمسك الحزب بمواقفه وفك شراكته المصلحية والنفعية مع التكتل اليميني، سيرسل اشارة الى جميع الاطراف بأن هناك شريكا حقيقيا للسلام في اسرائيل يمكن العمل معه مستقبلا. مع ذلك، يظل هناك احتمال ان يستمر حزب العمل في التحالف مع شارون اذا توصل الطرفان الى تسوية ما، لكن هذا يعني تسكيناً لأزمة سوف تظل مستمرة.