انتقاد إسرائيل والعداء للسامية

TT

خلال الشهر الماضي كشف لورنس سمرز رئيس جامعة هارفرد عن مخاوفه بشأن تنامي مشاعر العداء للسامية ومناصرتها في أوساط الجامعة. وقد تداعت الجماعات المؤيدة للفلسطينيين والمتعاطفين معها للتعبير عن احتجاجها، وطرحت ان انتقاد السياسة الاسرائيلية لا يعني تلقائيا معاداة السامية.

وقد كانوا محقين، لكنهم أيضا كانوا أكثر من مجرد متحذلقين لأنهم يدركون بشكل حسن للغاية ان النقد المتواصل لحكومة ارئيل شارون لم يكن ما أزعج رئيس الجامعة.

وبالتأكيد اننا بحاجة الى وضع النقاط فوق الحروف. وعلى أية حال، فالحديث عن ظاهرة معاداة السامية الذي بات نوعا من الهوس، كما يشير المدافعون عن الفلسطينيين، يعد أمرا واقعا. صحيح ان هناك بعض اليهود، كبعض الشواذ وبعض الملونين وبعض ذوي الأصول اللاتينية، كانوا في أوقات ما أسرع ما يكون في تصنيف كل من يوجه انتقادا لهم، الا أن رئيس الجامعة ليس من ذلك النوع السخيف من النقاد. ونفس القول ينطبق على بعض أولئك الذين أعربوا عن قلقهم بشأن تنامي مشاعر العداء للسامية في أوساط الجامعة، وتلك حقيقة لا يمكن تجاهلها.

ففي جامعة شيكاغو، كما أفادت مصادر منتديا مراقبة وجهات النظر تجاه منطقة الشرق الأوسط ـ كامبس ووتش، تعرض طالب يهودي للاعتداء الكلامي بينما كان يتجول مساء في ساحة الجامعة، عندما مرت بجانبه عربة وصرخ أحد ركابها في وجهه قائلا: «الموت لليهود، كان يتوجب على هتلر القضاء عليهم جميعا عندما اتيحت له الفرصة».

وفي جامعة ولاية سان فرانسيسكو، وبالاضافة الى التهديد البدني الذي تعرضت له أستاذة الدراسات اليهودية وتلاميذها خلال مظاهرة تأييد لاسرائيل، صرخت مجموعة من الطلبة المعادين لاسرائيل بعبارات مثل: «موتوا، أيها الخنازير العنصريون» و«كان يجب على هتلر أن ينهي المهمة».

لم تكن تلك عبارات انتقاد لاسرائيل أو للسياسات الاسرائيلية، لقد كانت وبلا جدل اعمالا معادية للسامية، وهي ليست الوحيدة من نوعها. ولابد من فصلها بوضوح عن ذلك النوع من الأشياء التي لا أساس لها والملهبة للمشاعر والتي تنم عن جهل ـ لكنها ليست بالضرورة معادية للسامية ـ والتي يرددها الناس ويلقنونها للغير.

وعلى سبيل المثال يمكننا الحديث عن دوغلاس كارد، المشرف على برنامج دراسي في جامعة أوريغون يدعى «عدم المساواة الاجتماعية»، فقد أورد المنتدى المذكور آنفا ان كارد وصف اسرائيل بأنها «دولة ارهابية» ووصف الاسرائيليين بأنهم «قتلة الأطفال الرضع».

ما طرحه كارد يعد انحيازا لطرف، ونوعا من النقل السيئ للمعلومات والهرطقة الديماغوجية التي يمكن التعرف عليها في منشورات ساحات الجامعات التي يهيمن عليها اليساريون. كما انه أيضا معاد لاسرائيل، بنفس الطريقة التي يعد وصف الولايات المتحدة بأنها دولة ارهابية عداء لأميركا، لكنه لا يعني معاداة السامية.

وهذا النوع لا يختلف عن جملة من الآراء الهستيرية الأخرى التي نسمعها من اليسار السياسي المتحامل وعن الأفكار «الصحيحة» ـ بما فيها الماركسية ومعاداة الحرب وتعدد الثقافات وما بعد العصرنة ـ والتي شقت طريقها نحو جميع عناصر الحياة الجامعية.

لكن لابد من التمسك بالتفريق بين معاداة السامية والعداء لاسرائيل. فالأولى تعد عنصرية كما انها تصنف أحيانا بجرائم الكراهية، لكن الأخيرة وجهة نظر وغالبا ما تصنف بأنها غلو غير حكيم.

لكن ماذا عن حملة التشهير، التي تقوم جماعات من خلالها بالضغط على الجامعات من أجل بيع أسهمها لدى الشركات التي تزاول التجارة مع اسرائيل؟ وهل يمكن اعتبار ذلك عداء للسامية؟

يعتمد الأمر على عدد من المعطيات، فالبعض يدافعون عن الحملة لانهم يعارضون سياسة اسرائيل، ويطرحون ان الفلسطينيين يعاملون كما عومل السود في جنوب أفريقيا ابان الفصل العنصري. وهذه مقارنة غير موفقة لأن السود في جنوب أفريقيا لم يعتادوا ارسال منفذي العمليات الانتحارية الى مدينة جوهانسبرغ، لكنها لا تعني العداء للسامية.

وهناك من يفضل القيام بتلك العملية لاعتقادهم ان الصهيونية حركة فاشستية بالوراثة وغير مشروعة، لأنهم يعارضون من حيث المبدأ انشاء وطن لليهود ولأنهم يعتبرون بيع الأسهم وسيلة لتحقيق تدمير الدولة اليهودية. وهذا الموقف بالتحديد يعد عداء للسامية.

مشاعر العداء الجلي للسامية باتت حقيقية ومتنامية في ساحات جامعاتنا الأميركية، باعتبارها عداء لاسرائيل، وكل منهما بحاجة الى تناوله بحكمة. لكن الفشل في التفريق بين الموقفين يمكن أن يخدم مباشرة أولئك الأكثر تطرفا في كل من المعسكرين، ممن لا يرغبون في رؤية شئ أفضل من تحويل منتقديهم الى أدوات لتحقيق هوسهم.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»