المستوطنون يغزون القرى ويفرضون «الترحيل الداخلي» على الفلسطينيين

TT

توقع مصدر اميركي مطلع ان يزداد الوضع الفلسطيني سوءا، خصوصا اذا فقدت الحكومة الاسرائيلية الثقة وتمت الدعوة لانتخابات عامة. فهذا يعني جمودا يستمر تسعين يوما، ليأتي الليكود بعد ذلك قويا ثلاثة اضعاف ما هو عليه الآن، بحيث ينال خمسين مقعدا في الكنيست من اصل 120 مقعدا (لديه اليوم 17 مقعدا) ويُسحق بعدها حزب العمل، ولا تبقى هناك معارضة تذكر في اسرائيل. ويتوقع المصدر عودة ارييل شارون رئيسا للحكومة، «لان بنيامين نتنياهو لن يجرؤ على تحديه على رئاسة الحكومة».

ويرى المصدر الاميركي ان الواقع الاسرائيلي ينذر بالخطر، ليس على الفلسطينيين فحسب انما على هوية الدولة اليهودية، ومن دون تدخل الولايات المتحدة وبروز معارضة حقيقية في اسرائيل تتسلم الحكم وتطبق مبدأ الدولتين، وتمنح الفلسطينيين وبسرعة دولة مستقلة، فان الدولة اليهودية، بعد اقل من عشرين سنة، لن تكون موجودة، اذ ستكون الاغلبية من العرب، ومن اجل بقائها ستتحول اسرائيل الى «جنوب افريقيا» جديدة، اي الى دولة عنصرية، عندها لن يقبل العالم كله بها، «ان قيام دولة فلسطينية ينقذ مستقبل اسرائيل».

وكانت مجموعة من الفلسطينيين طرحت فكرة التخلي عن المطالبة بدولة فلسطينية مستقلة، وقالت انها تقبل بمبدأ الدولة الواحدة شرط ان يتساوى اليهود والعرب فيها بنفس الحقوق والواجبات.

يقول المصدر الاميركي، ان هذا ما كان يحذّر منه اليهود الاميركيون، ويشير الى ان شارون يعي هذه الحقيقة وقد وعاها قبل ستة اشهر نتنياهو عندما قال في مؤتمر حزب الليكود، «لا للدولة الفلسطينية»، واقترح حلا، وجودا فلسطينيا ضمن ما يشبه «البندستان»، كي يظل اليهود يتحكمون بالفلسطينيين. اما شارون فانه يطبق مبدأ «الترحيل».

حتى شهر مارس (آذار)، كان الناطقون باسم الحكومة الاسرائيلية يبررون العمليات العسكرية الاسرائيلية ضد المناطق الفلسطينية بانها لاجبار الشعب الفلسطيني، الذي يعاني، على الضغط على ياسر عرفات والسلطة الفلسطينية لايقاف العمليات الارهابية لكن هذه العمليات العسكرية ادت الى اعادة احتلال الضفة الغربية واطلقت العنان لوحشية المستوطنين الذين، وباعتراف الصحافة الاسرائيلية، يشنون حملات ارهابية ضد المزارعين الفلسطينيين في موسم حصاد الزيتون.

لا احد يردع المستوطنين في دولة القانون والنظام، انهم مدججون بالاسلحة، يغزون القرى الفلسطينية ويروعون الفلاحين، يضربونهم ويحرقون بيوتهم، ويحرمونهم من مصدر رزقهم الوحيد المتبقي لهم، وهو «لم الزيتون»، ويحققون ما طرحه شارون في سياسة الترحيل.

الاسبوع الماضي، شن المستوطنون ـ الغزاة هجوما مسلحا على مزارعي قرية يعنون، فأحرقوا مولّد الكهرباء في القرية، وسمموا مياه بئرها، فلم يكن امام اهاليها سوى الرحيل، ومن اصل 150 عائلة، لم يبق في تلك القرية المحروقة سوى 10 عائلات.

يقول المصدر الاميركي، ان هذا ينذر بشر كبير، اذ ان الكثير من الفلسطينيين غادروا مدن وقرى الضفة الغربية، قسم منهم ذهب الى الاردن، وقسم الى الولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا. اغلب المسيحيين غادروا فلسطين ولحقوا بالذين سبقوهم من بيت لحم وجفنا والطيبة وعبود وبيرزيت وعين عرق، كما ان الهجرة الى الولايات المتحدة شملت المسلمين من قرى مثل عين يعرب وبتونيا. الآن، لم تعد الدول تستقبل الفلسطينيين، فصار المستوطنون يفرضون عليهم «الترحيل الداخلي»، وهذا بمثابة دائرة، عندما تستكمل ستنقلب لعنة على اسرائيل. ويذكّر المصدر الاميركي بتصريحات سابقة لمسؤولين اسرائيليين، بانهم لن يجبروا الفلسطينيين على الرحيل، بل سيجعلون حياتهم مأساة مستمرة فيختارون «الرحيل الطوعي» بأنفسهم.

ان هذا ما بدأ يسود حقيقة عند الفلسطينيين الذين صاروا يلمسون ان عمليات الجيش الاسرائيلي داخل مناطقهم لم تعد تستهدف امن اسرائيل، بل لاجبارهم على تجرع المرارة ودفعهم الى الرحيل.

هيجان المستوطنين الوحشي مستمر منذ عام 1998، غزوات واحراق بيوت وتخريب الحصاد، ومنذ ذلك الوقت والقرويون يتقدمون بشكاويهم الى الشرطة الاسرائيلية، التي تكتفي فقط بتسليمهم ايصالاً بالشكاوي.

السخرية، كما يقول المصدر الاميركي، ان ممثلي الشرطة الاسرائيلية يحاولون القيام بدور «الوسيط» بين القرويين والمستوطنين، بالتوصل الى «نقاط تفاهم» بينهم! وحتى هذه الامور لا تضمنها اسرائيل، اذ ان الجيش الاسرائيلي يتعهد بحماية القرويين اثناء حصادهم للزيتون او فلاحة ارضهم، شرط ان لا يتخطوا المسافة التي يحددها المستوطنون، وكثيرا ما تتوسع هذه المسافة بحيث لا تبقي من اراض اطلاقا للقرويين.

في هذه الاثناء، تنوي الادارة الاميركية ارسال نائب مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى، دافيد ساترفيلد الى المنطقة، خلال اسبوعين لجمع ردود الفعل على مبادرتها «خريطة الطريق».

ساترفيلد نفسه في زياته السابقة، قبل نحو شهرين، اجتمع مع كبار الضباط الاسرائيليين الذين قدموا اقتراحاتهم لحل الازمة في المناطق الفلسطينية المحتلة، وكان ابرزها خيار «التدمير البناء»، ويقضي بتدمير كل ما تبقى من هيكلية السلطة الفلسطينية واعادة سيطرة اسرائيل على كل المناطق، تماما كما كان الوضع قبل الانتفاضة الاولى، وبعد ذلك فرض تسوية باقامة ادارة داخلية فلسطينية، تنفذ الاوامر العليا. ورغم ان الحكومة الاسرائيلية لم تتخذ قرارا علنيا حول هذا الخيار، الا ان ما جرى ويجري بعد ذلك يؤكد ان شارون يطبق ما اقترحه الضباط. اذ ان تدمير السلطة مستمر، ومواصلة الضغط على الشعب تتضاعف.

المصدر الاميركي يقول، ان ساترفيلد ساهم في وضع مسودة «خريطة الطريق»، التي تصر اولا على عدم تجزئة الاراضي الفلسطينية المحتلة، وتقليص الوجود الاسرائيلي فيها ومنح مساحة واسعة للفلسطينيين كي يتحركوا فيها. كما انها لا تطلب من الفلسطينيين وضع حد فوري للارهاب او حل المنظمات الارهابية، بل الدعوة الى ذلك، وتدعو «خريطة الطريق» اسرائيل لقبول وجود دولي يعمل على تطبيق مقترحات مدير جهاز الـ«سي. آي. ايه» جورج تنيت، وان ترفع الحصار عن المناطق الفلسطينية وتضمن حرية التحرك للفلسطينيين دون ان تربط هذا بالاعتبارات الامنية كما جاء في وثيقة جورج ميتشل.

ولكن المصدر الاميركي يستبعد ان تلتزم الادارة الاميركية نفسها بتطبيق هذه المبادرة التي تطلب من السلطة اجراء اصلاحات جذرية، وتقترح مؤتمرا دوليا يؤدي الى اقامة دولة فلسطينية مؤقتة عام 2003، على ان يتم التوقيع على الدولة المستقلة بشكلها النهائي عام 2005. انما يقول، انه يمكن الانطلاق منها نحو حل، خصوصا اذا تم تحديد انسحاب اسرائيل حتى حدود 1967، لانه يمكن للطرفين الاسرائيلي والفلسطيني ان يتفاوضا حول تعديل الحدود وتبادل اراض بينهما. وتمنى لو ان الفلسطينيين لم يرفضوا هذه المبادرة، كما فعلوا عندما رفضوا مقترحات الرئيس السابق بيل كلينتون، لان طابع ادارة جورج دبليو بوش هو التردد وعدم الاندفاع في فرض حل على الجانب الاسرائيلي، عكس ما كانت ادارة كلينتون على استعداد للقيام به.

واسأل محدثي عن السبب الذي دفع وزير الخارجية الاميركي كولن باول ليلقي كلمة في السادس من هذا الشهر حول خطة الادارة لـ«الشرق الاوسط الجديد»، وهل هي مرتبطة بجولة مساعده ويليام بيرنز الى المنطقة و«خريطة الطريق»؟ ويجيب، انه غير قادر على تفسير ابعاد الكلمة، خصوصا ان الكلمة اعدت، اثناء وجود بيرنز في جولته، مما يعني انها لن تعكس تصور الخارجية الاميركية بل ما يفكر به المدنيون في وزارة الدفاع. ويضيف المصدر الاميركي ان الكلمة لن تدعو الى استبدال الانظمة العربية بأنظمة ديمقراطية، بل الى الحاجة الى جعل المؤسسات القائمة اكثر ديمقراطية مع اعطاء حقوق المرأة، وحرية الصحافة، وتوسيع الفرص الاقتصادية والثقافية، وجعل الحكومات اكثر شفافية.

ويقول المصدر الاميركي ان كل ما سيحدث في الشرق الاوسط يعتمد على مسار الحرب ضد العراق، اولا، ان الحرب ستقع، لكن، اذا كانت حاسمة وسريعة فيمكن عندها للادارة الاميركية الحالية ان تضغط على اسرائيل وتساهم بمجيء حكومة جديدة توافق فورا على اقامة دولة فلسطينية مستقلة، لكن، اذا طالت الحرب وسقط فيها ضحايا كثيرون، فان الامر سيكون معكوسا ولن تقدم الادارة على الضغط على اسرائيل، لانها ستكون مهتمة باقناع الرأي العام الاميركي بعدالة تلك الحرب.

ويضيف، ان المشكلة هي ان مسؤولين في وزارة الدفاع الاميركية ومعهم نائب الرئيس ديك تشيني يعتقدون ان الحرب سينتج عنها عراق ديمقراطي «يفوح اريجه العطر» ويصبح مثالا يحتذى للمنطقة وللشعب الفلسطيني، اما الواقع، فهو انهم بعيدون عن الواقع وان مجرد «اطلالة» على الشرق الاوسط، تجعل الذعر يدب في اعماقنا «ان المستقبل هناك قاتم، ومستقبل اسرائيل كدولة يهودية غامض».