موسكو والشيشان: الطريق المسدود

TT

الازمة الشيشانية لم تنته، رغم عملية الخطف وخاتمتها المأساوية التي جرت في موسكو، ثم ان الطريقة التي انتهت فيها سوف تترك آثارها العميقة على قيادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسمعة روسيا الدولية، وقد يدفع المعتدلون الشيشان ثمنا باهظا.

لم يترك الخاطفون مجالا واسعا امام السلطات في موسكو، للتفاوض او المناورة، فهم اعلنوا انهم جاءوا ليموتوا في سبيل هدف سياسي واحد: الانسحاب الروسي من الشيشان. ولم يكن من المتوقع ان تخضع السلطات في موسكو لابتزاز من هذا النوع، في وقت لا تستطيع اي قضية، مهما كانت عادلة، ان تبرر اللجوء الى الارهاب وتعريض حياة مدنيين للموت. والمشكلة هنا، ان «الذعر» الذي يصيب السلطة الشرعية في مثل هذه الحالة، يدفعها هي الاخرى الى التضحية بعدد كبير من المدنيين، لتثبت فقط انها اقوى من الارهابيين ومن الابتزاز.

مجرد وقوع عملية الخطف في موسكو، اضافة الى عدد الخاطفين وكمية السلاح والمتفجرات التي كانت في حوزتهم، يطرح علامات استفهام كبيرة حول الامن الروسي، خصوصا ان عملية المسرح وقعت بعد عمليتي اغتيال تعرض لهما نائب في البرلمان الروسي ورجل اعمال، ولم يلق القبض على الفاعلين.

كذلك اظهرت قدرة الخاطفين في الوصول الى موسكو و«احتلال» مسرح في داخله 750 شخصا، ومع انه لم يكن هناك اي مجال لتجنب النهاية الدموية، انهم يمثلون قوة لا يستهان بها، وهذا يسلط الانظار على القيادة السياسية والعسكرية في موسكو، فهي عجزت عن كسب تأييد الاغلبية الشيشانية وعجزت في الوقت نفسه عن تسجيل انتصار عسكري على الثوار الشيشان، فوصلت هي واياهم الى طريق مسدود.

جناحا الثوار في الشيشان: التحالف الوطني الذي يقوده اصلان مسخادوف والاقلية المتطرفة، لجآ الى العمليات الارهابية في مواجهة الادارة الروسية في غروزني ولتكبيد الروس ضحايا بشرية وثمنا سياسيا.

لكن، خلال ازمة المسرح، تساءل الكثير من الروس عن جدوى بقاء القوات الروسية في الشيشان، وبعد انتهائها، تساءلوا عن دور قواتهم الامنية في توفير الحماية للعاصمة وللمدنيين، لا سيما وقد تبين ان بعض المقاهي داخل مبنى المسرح يديرها شيشانيون، لهم علاقات مع شخصيات روسية، امنية وسياسية. وانهم على مدى ايام هرّبوا الاسلحة والمتفجرات التي استعملها الخاطفون في عمليتهم.

ومع هذا استمرت اغلبية المثقفين الروس تطالب بان يضع الكرملين حدا للحرب في الشيشان وان يبدأ مفاوضات مع مسخادوف. لكن بوتين، وعلى المدى القصير، لن يصغي الى هذا الرأي، وهو اعطى الاوامر لرئيس الاركان بادخال تعديلات على خطط نشر الجيش الروسي في الشيشان. ويكشف هذا توجهه للقيام بهجمات على المتطرفين ابعد من حدود روسيا، وربما باتجاه جورجيا التي تتهمها موسكو بانها تحولت الى معقل للمتشددين الشيشان والارهاب الدولي.

اما على المدى الطويل، فان الهجمات الروسية، ستقوي موقف الشيشان والروس المطالبين بتسوية سلمية، وقد لمح مسخادوف بعد انتهاء عملية الخطف، عن استعداده للقبول بحكم ذاتي بدل الاستقلال الكامل.

المهم الآن اعادة تأهيل مسخادوف الذي اظهرت عملية المسرح، انه لا يسيطر على الوضع في الشيشان وان العمليات الخطيرة تجري بمنأى عنه.

ان الكرملين يحتاج الى رجل في الشيشان، وليس الى اعتقال كل الشيشان المقيمين في موسكو.