الفلسطينيون وخروج «العمل» من الحكومة الإسرائيلية

TT

مع انهيار ائتلاف حزبي ليكود والعمل، ستكون في إسرائيل أول حكومة تضم فقط أحزابا يمينية، خلال ما يقرب من جيل من الزمن. الأمر الذي يطرح السؤال التالي: هل يعني ذلك شيئا بالنسبة للفلسطينيين؟

هناك من يقول: كلا، على الإطلاق، فجميع الإسرائيليين سواسية، وهم في ذلك مخطئون.

فالائتلاف الذي تزعمه رئيس الوزراء ارييل شارون انهار إلى حد ما بسبب إصرار حزب العمل على فرض بعض القيود على سكان المستعمرات، الذين تصرفوا كالدولة في إطار دولة اسرائيل، خلال ما لا يقل عن عقدين من الزمن. وهذه القضية حيوية لأسباب عديدة.

فالفلسطينيون لم يتمكنوا على الإطلاق من التعايش مع سكان المستعمرات الذين لا يختلفون عن «المستعمرين» التقليديين. هؤلاء المستعمرون اليهود الذين يمثلون النموذج الإسرائيلي للمستعمرين الفرنسيين (ذوي الأقدام السوداء)، الذين قاوموا استقلال الجزائر حتى النهاية. كما انهم يعيدون إلى الذاكرة ما فعله سكان جنوب أفريقيا من البيض، الذين زعموا تميزهم عن الغير، ممن سعوا لإطالة أمد نظام الفصل العنصري بقدر الإمكان.

فقد حصلت الجزائر على استقلالها عندما أدركت غالبية الفرنسيين انها وقعت ضحية المستعمرين. كما انهار الفصل العنصري عندما قرر غالبية سكان جنوب أفريقيا من البيض الابتعاد عن مغتصبي الأرض العنصريين، الذين توفرت لديهم قناعة بأن أبناء البلد من السود خلقوا ليكونوا عبيدا.

وهكذا، إذا ما قرر حزب إسرائيلي رئيسي عدم تحمل مسؤولية ما يفعله المستعمرون، فإنه لا بد من اعتبار ذلك حدثا بارزا. وحتى لا يفرط البعض في التفاؤل، فإن ما حدث لا يعني أن السياسة الإسرائيلية الحالية، التي وضعها شارون، قد تتبدل.

استطلاعات الرأي العديدة التي أجريت خلال العامين الماضيين تشير إلى تناقض عجيب. فمن جهة يقول ما يقرب من ثلثي الإسرائيليين انهم يؤيدون إقامة دولة فلسطينية، حتى ولو كانت القدس الشرقية عاصمتها. ومن جهة اخرى أشارت جميع استطلاعات الرأي إلى أنه في حالة إجراء انتخابات عامة راهنا، فقد يفوز ائتلاف يتزعمه شارون، وربما بأغلبية أفضل.

ثمة ثلاثة اسباب لهذا التناقض:

الأول، ان الائتلاف الواسع ترك انطباعا لدى العديد من الناس بأنه لا توجد بدائل لسياسات شارون. ولأن حزب العمل لم يقدم أكثر من رؤية «ملطفة بطعم الكوكاكولا» لسياسات شارون، فإنه لا يوجد ما يدفع الناخبين الإسرائيليين للتصويت لصالحه.

أما السبب الثاني فيكمن في عدم تمكن الفلسطينيين من تقديم قيادة لديها خطة واضحة المعالم ويمكن الوثوق بها. فأكثر ما يخشاه الإسرائيليون هو أن تصبح الدولة الفلسطينية، التي يحكمها ياسر عرفات باسلوبه المعروف في إدارة الشؤون الفلسطينية، على الفور، منطلقا للعدوان على جارتها اليهودية. ووجهة النظر تلك مرجعها ولع عرفات بإثارة الغموض. فهو يريد الإمساك بكل شيء وبالجميع في نفس الوقت. ولا أحد يعلم بالدقة ما إذا كان يعتبر إسرائيل شريكا له أم عدوا.

سبب حالة التناقض الإسرائيلي الثالث، يكمن في الانطباع بأن معظم الإسرائيليين استهوتهم سياسة واشنطن الحالية. فقد توفرت لديهم قناعة بأن إدارة بوش تفضل التعامل مع شارون. وربما إن هذا الانطباع تعزز بتولي رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو المحتمل لحقيبة الخارجية الإسرائيلية.

يعتقد العديد من المراقبين انه سيكون على إسرائيل إجراء انتخابات عامة مبكرة خلال العام المقبل، وربما بعد عملية «تحرير» العراق. وبعد تلك الانتخابات من الممكن أن يتنازل شارون ويسلم زمام القيادة لنتنياهو.

أما في ما يتعلق بعملية السلام، فيبدو ان ائتلاف ليكود والعمل بلغ نقطة اللاعودة. وانهياره ربما يوفر فرصا جديدة، وهو ما يجعل افتراض الفلسطينيين بأن شيئا لم يتغير خطأ.

أمام الفلسطينيين خيار واضح. فإما أن يقرروا إن إسرائيل هي العدو الذي يتوجب عليهم مقاومته بكل الوسائل وحتى آخر المطاف. وهذا الخيار يتطلب استراتيجية جديدة على الإطلاق، قد يتمثل أحد أهدافها في تحطيم معنويات بسطاء الإسرائيليين، أو أن يعتبروا إسرائيل شريكا محتملا في عملية السلام، وجارا وصديقا في المستقبل. وهذا أيضا سيتطلب استراتيجية مختلفة على الإطلاق تستهدف طمأنة الإسرائيليين البسطاء، وتشجيعهم على التفكير في مستقبل يستند الى صيغة حل الدولتين.

تعبير «السلام فقط» يتضمن معنى مزدوجا، إذ لم يتسن على مر التاريخ تحقيق سلام عادل فقط. وعلى أولئك الذين يرغبون في تحقيق العدل أن يخوضوا حربا لا أمد لها، وبالتالي أن ينتظروا العالم الآخر. أما أولئك الذين يريدون السلام فعليهم تقديم تنازلات بما فيها ابتلاع بعض المسكنات المؤلمة للغاية.

إذا ما اختار الفلسطينيون سلاما نزيها وعمليا، فسيكونون في موقف يمكنهم من أن يعرضوا على الناخب الإسرائيلي خيارا حقيقيا.

وهذا هو ما يجعل ما حدث عظيم الأهمية، ويجعل التطورات التي ستشهدها الاوضاع الإسرائيلية ـ الفلسطينية، خلال الأشهر القليلة المقبلة، أكثر أهمية ربما.