مسلسلات.. وبروتوكولات (1 من 2)

TT

رمضان كريم بالمكسرات والمقبلات والمحمصات والمسلسلات والحوارات، وكريم بالعبادات أيضاً، وبما ان كل انسان يتعبد بينه وبين ربه، ويحضر طعامه ومقبلاته في مطبخه الشخصي، فتلك مسائل ليس لها طابع العمومية إلا في المغزى، وبذا تظل القضية المفتوحة للنقاش الحر هي ماذا تشاهد؟ وليس ماذا تطبخ وكيف تتعبد..؟

على جبهة المشاهدة توضحت الصورة في الاسبوع الثاني من رمضان، وبدأت المزاحمة والمفاضلة بين التاريخي والاجتماعي والسياسي ومسلسلات «النص كم» التي لا تعرف أين تصنفها لانها تحاول ان ترضي الجميع وتأخذ من كل قضية بطرف، وبذا يسهل عليك اخراجها من حلبة المنافسة، فمن يعتقد ان بالامكان ارضاء الجميع ينتهي الى النتيجة الطبيعية المعروفة وهي عدم ارضاء أحد.

في المسلسلات الاجتماعية بالكاد يثبت العطار وبناته امام منافسة «الاصدقاء» و«أين قلبي» و«أميرة عابدين»، وفي المسلسلات التاريخية ترك المصريون هذا العام السوريين يذهبون الى التاريخ البعيد بحثاً عن المتنبي، وصقر قريش وزمان الوصل في الاندلس وشمال افريقيا، وبقوا هم في التاريخ المصري القريب، وهي خطوة ذكية تحسب لصالحهم لأن تأثير قاسم أمين وعرابي ودنشواي وبروتوكولات حكماء صهيون، ما يزال محسوساً وملموساً ومعاشاً ومندوباً عليه وموقوفاً على اطلاله، بينما صار عبد الرحمن الداخل رمزاً بعيداً يصلح للاستعارة الكوميدية اكثر مما يفيد الجد، وهو عين ما فعله في السبعينات الشاعر السوري محمد الماغوط بصقر قريش، حيث جعله في المسرحية التي تحمل اسمه «يتمرمط» في المخافر الحدودية الرسمية كأي مواطن عربي معاصر بدون ان يسمح له أحد بالدخول، مع انه كان حسب تلك المسرحية، يعود في مهمة قومية لانقاذ الأمة.

واغلب الظن ان الدراميين السوريين سيحتجون على هذا التصنيف وعلى نقطة المفاضلة الاولى التي ذهبت للمصريين، ويذكروننا بما فعلوه في الاعوام الماضية، فالتاريخ القريب كان لعبتهم الدرامية المفضلة فعلاً، وممدوح عدوان الذي وضع اسمه هذا العام على مسلسل المتنبي، نبش قبل عامين أسرار وفجائع مرحلة «سفر برلك»، وهي مرحلة تجنيد العرب بالقوة لخوض معركة الاتراك قبل الحرب العالمية الاولى، وتزامنت مع هذا السفر عشرات المسلسلات التي تحكي عن مقاومة الاستعمار الفرنسي والتركي في حلب ودمشق. وكان عبد الرحمن الكواكبي أيضاً من الشخصيات التي حظيت بعناية الدراميين السوريين العام الماضي بمناسبة مئويته لأنه مات مسموماً بالقاهرة عام 1902، بعد بضع سنوات وعدة شهور من ظهور كتابه الذائع «طبائع الاستبداد» مسلسلاً في الصحافة المصرية.

وإذا كنا لا نستطيع حسم نقطة المفاضلة فلا أقل من ان نتفق على تفضيل طريقة هذا الطرف أو ذاك في تناول التاريخ القريب المعجون، شئنا أم أبينا، بالأتراك، وعلى هذا الصعيد سوف نلاحظ ان المسلسلات المصرية لا تخفي اعجابها بالشخصية التركية، وكيف تخفيه، ولماذا..؟ ما دامت البلاد كانت محكومة بالمماليك منذ عصر المتنبي ثم بالألبان بعد محمد علي الكبير، وهؤلاء مثل اولئك، فالقائد الالباني كان قبل ان يستقل، أحد ولاة السلطنة.

السوريون واللبنانيون عاشوا أيضاً تحت نير العثمانيين المباشر عدة قرون، لكنك لا تجد الاعجاب بالشخصية التركية في مسلسلاتهم، ولا تجد الجمال التركي نموذجاً مفضلاً عندهم، ربما لأن البيضاوات والحنطيات والشقراوات اللواتي في سورية الكبرى اضعاف امثالهن عند الجارة الاناضولية الشمالية، وغالبا ما تجد الشخصية التركية مصدر مسخرة أو مقت، أما الاعجاب فلا وألف لا في مسلسلات السوريين.

وربما يعود ذلك الى التاريخ القريب وليس البعيد، ففي اوائل القرن العشرين ومع تنامي مد النهضة الفكرية العربية، كان في مصر شعراء وكتاب كبار يمدحون الاتراك، ويدعون للتعاون والتنسيق معهم انسجاماً مع الخط الرسمي للسياسات الخديوية، اما في سورية التي تم في الحقب ذاتها تعليق أحرارها على اعواد المشانق من قبل جمال باشا السفاح، فإن كراهية الاتراك تعمقت وأثرت في تشكيل التيارات السياسية والفكرية، فتيار التعاون مع الاتراك بحجة الحفاظ على الخلافة الاسلامية كان الأضعف والأقل شعبية بين التيارات السياسية السورية.

وبقي من التاريخ القريب مسلسل «فارس بلا جواد» لمحمد صبحي، واظنكم توافقون ان بروتوكولات حكماء صهيون تستحق وقفة وحدها لنرى موقعها في التاريخ السياسي والفني خصوصاً ان هناك من يزعم ان البروتوكولات مختلقة ومزورة لاهداف غامضة تتعلق بالسياسات الامنية لروسيا القيصرية.