استراتيجية التغيير الأميركية

TT

«من الواضح ان تغيير النظام العراقي، اذا اقدمنا عليه، ستكون له ابعاد استراتيجية». هذه الجملة اثارت انتباه كثيرين، وردت في حديث الرئيس الاميركي جورج بوش للصحافي بوب ودوورد. ونعلم ان كلمة «استراتيجية» المذكورة فضفاضة وتتسع لمعان كبيرة عديدة، وقد تستخدم احيانا للجم الاعتراضات ليس الا.

فهل المقصود بها القبض على وسط المنطقة على اعتبار ان العراق مركز دائرة هندسية اطرافها دول الخليج وايران وسورية وتركيا والاردن، فتكون ابعادها الاستراتيجية التأثير مباشرة على احدى هذه الدول او جميعها؟ ام هل المقصود بها العراق وحده بعد ان عاش هذا البلد اربعين عاما تائها بين الشيوعيين والتبعية لموسكو والبعثية المحلية المتوحشة والطموحات الخارجية المغامرة؟ ام ان الابعاد الاستراتيجية المقصودة تعني اعلان اسلوب جديد للولايات المتحدة في التعامل مع الازمات بالتدخل العسكري لحسم الامور بدلا من الركون الى وسائل التفاوض والتوسط وانتظار الحلول، وهذا يعني تحديدا معالجة ازمات متمردة لدول مثل ايران وكوريا؟

انها جملة غامضة رماها الرئيس بمحض رغبته في حديث لم يدفعه السائل الى استنتاجها او التوصل اليها عفويا، وهذا ما يدفع من يقرأها الى التوقف عندها.

ولا شك ان الرئيس باجابته هذه ينفي عن نفسه تهمة شخصنة الصدام مع العراق، حيث يتهمه البعض انه ينتقم لوالده الرئيس الاب الذي قيل ان محاولة اغتيال ضده خططت لتنفذ على ارض الكويت عندما زاره بعد خروجه من البيت الابيض، وعمد الرئيس اللاحق بيل كلينتون الى توجيه ضربة عسكرية محدودة لبغداد ردا على تلك المحاولة. وينفي ايضا بذلك ما يشاع انه يحاول الهرب من عجزه عن القبض على بن لادن والقضاء على «القاعدة» بشن حرب كسبها سهل ضد النظام العراقي.

من الصعب التصديق بأن الحرب مسألة شخصية، والأقرب ان نقتنع انها استراتيجية جديدة للولايات المتحدة لسبب بسيط هو ان الحرب مغامرة خطيرة في حد ذاتها، ومن الخطأ الاعتقاد بأن الحروب مضمونة مهما بدت سهلة، بدليل ان حرب الصومال صورت على انها وجبة غداء خفيفة بعد حرب تحرير الكويت الضخمة، لكن ثبت لاحقا انها ورطة خطيرة مما اضطر القادة العسكريين الى نصح الرئيس حينها بالخروج. ولا يمكن ان نصدق ان الرئيس الاميركي يريد الانتقام بزج ربع مليون جندي في حرب مجهولة العواقب فقط لأسباب شخصية او من قبيل التكتيك الدعائي لتفادي نتائج افغانستان، فلا بد ان قادة الجيش ومخططي الاستراتيجية يعون حجم المخاطر المحتملة.

لا بد ان هناك ما هو ابعد من تدمير عشرة قصور للرئيس صدام، ولا بد ان تكون حرب العراق مشروعا استراتيجيا، كما وصفه الرئيس نفسه. فالتحرك الاستراتيجي قد يبرر التكاليف المالية الهائلة والمخاطر البشرية الممكنة ووضع سمعة البلد الاقوى امام الامتحان. والولايات المتحدة تعرف ان العراق بلد في غاية الاهمية اقليميا، يأتي في المرتبة الثانية بعد المملكة العربية السعودية، لكن العراق ظل بلدا معطلا في ثلاث مراحل كبيرة، اولاها كانت مرحلة التصفيات الداخلية في السبعينات والثانية حرب ايران والثالثة حرب الكويت وتداعياتها. والاميركيون يقرأون الوضع الداخلي في بغداد جيدا، فهم يعرفون ان القيادة هرمت وهي بلا نظام خلافة، كما ان هياكل النظام الداخلية اهترأت بسبب الحصار، وصار سقوطها حتميا خلال سنوات قليلة مقبلة.