المنتظر من العراق تقديم أطنان من الوثائق عن مخزونه الاحتياطي ليتجنب الغزو

TT

في الحديث الذي ادلى به ظهر الاحد الماضي طارق عزيز نائب رئيس الوزراء العراقي لمحطة «آي. تي. في» البريطانية، قال، ان العراق سوف يتجاوب تجاوبا كاملا مع القرار الدولي 1441 وانه اعطى التعليمات لكل الموظفين والمسؤولين بعدم عرقلة مهمة المفتشين الدوليين. وعندما سئل عن سماح العراق للعلماء العراقيين بالسفر الى الخارج للمسائلة، اجاب، ان لكل عراقي حرية السفر! واضاف ان حكومته الغت الرسوم التي كانت مفروضة على كل مسافر.

وتبين لاحقا ان الحكومة العراقية مع الغائها للرسوم، سمحت للمسافر العراقي بمائة دولار فقط لكل رحلة. الآن، اذا اخذنا مبدأ الغاء الرسوم على المسافرين وحرية السفر مزودين فقط بمائة دولار، وقارناه مع كل وعود المسؤولين العراقيين بالتجاوب مع المفتشين الدوليين، يمكننا الاستنتاج بان رحلة التجاوب ستكون قصيرة، وان العادات القديمة يصعب تجاوزها.

ان الرحلة الحالية لرئيس المفتشين الدوليين هانز بليكس الى العراق، هي فقط لاعادة تحضير مكاتب المفتشين ووسائل تنقلاتهم واتصالاتهم والتسهيلات التي يحتاجون اليها. ومن المتوقع ان تتعاون بغداد بالكامل مع كل متطلبات هذه الرحلة المحددة، اذ لا سبب يدعوها للمناورات في هذه المرحلة. اما التجربة الحقيقية للعراق فستكون في اللوائح التي سوف يقدمها في الثامن من الشهر المقبل. ويقول الدكتور غاري سامور، مدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو المعهد الذي اصدر الشهر الماضي تقريرا مفصلا عما لدى العراق من برامج لاسلحة الدمار الشامل، ان ذلك البيان شامل جدا ويطلب من العراق ان يقدم معلومات ضخمة، وقد يضطر الى تحضير الاطنان من الوثائق للمفتشين. فالقرار الدولي طلب من العراق ان يبلغ عن كل ما لديه من برامج بيولوجية وكيمياوية ونووية، وكذلك عن كل برامجه المدنية البيولوجية والكيمياوية والنووية، و«اذا قرأنا القرار الدولي حرفيا ندرك ان على العراق ان يقدم كل وثيقة لديه عن أي برنامج عسكري بغض النظر عن اهدافه، وهذا يعني الملايين من الوثائق». ويضيف سامور ان السؤال الاساسي يبقى عما اذا قرر العراق الاعلان عن مواد كيمياوية او بيولوجية حديثة، او ما زالت لديه.

ولكن، اذا لم يقدم العراق اي دليل على امتلاكه لاسلحة الدمار الشامل، فهل هناك من يثبت العكس؟ يجيب سامور انه عندئذ، ستحاول الولايات المتحدة وبريطانيا اقناع مجلس الامن بان لديها من الوثائق ما يثبت ان نفي العراق كاذب، وعندها قد ترى الدول الاخرى الاعضاء في مجلس الامن، بان الطريقة الوحيدة لتكذيب النفي العراقي تكون عبر مهمة المفتشين وليس بشن الحرب فورا، وعلى واشنطن بالتالي ان تقرر إما ان تخوض الحرب دون الاهتمام بمجلس الامن او ان تثق بعملية التفتيش على امل ان تؤدي الى الحقيقة.

لا احد يمكنه ان يعرف كم ستطول هذه العملية، لانها تعتمد على المعلومات التي ستتوفر للمفتشين وما اذا كانت صحيحة، او انهم سيعملون على اكتشافها بوسائلهم، وقد تحتاج العملية الى اسابيع او الى عدة اشهر. يضاف الى ذلك، ان المفتشين سيحتاجون الى الوقت الطويل لمقارنة ملايين الوثائق العراقية بملايين الوثائق التي يملكونها. واذا لم تتوفر لهم الوثائق، يقول الدكتور غاري سامور، الذي كان في فريق الامن القوي للرئيس بيل كلينتون، ان لدى المفتشين خرائط بعدة مئات من الاماكن التي سيزورونها، ويضيف، ان هناك عدة اماكن حددها المفتشون السابقون، وهي اماكن معروفة، تصنّع مواد للاستعمال المزدوج، ويؤكد ان المفتشين لن يدمروا مصانع تنتج مواد لاسلحة تقليدية.

ولكن، ما قصة القصور الرئاسية، وهل يمكن ان تحتوي على مصانع ومرافق لانتاج الاسلحة الممنوعة ام انها مخازن تخبئة؟ يقول الدكتور سامور ان لا احد متأكد من وضعها، انما يميل الاعتقاد الى استعمالها من قبل العراقيين كمخازن تجميع.

وهل تحتاج مرافق الانتاج شروطا ومساحات محددة، ام يمكن انتاج هذه المواد في منازل عادية او في مراكز عبادة؟ يجيب الدكتور سامور، ان الامر يعود الى نوع النظام العسكري، فاذا كان لانتاج مواد نووية او كيمياوية او صواريخ باليستية فانها تحتاج الى تسهيلات وآليات متخصصة ومحددة، ولا يمكن تخبئتها بسهولة في منزل او في مركز عبادة، لكن الاسلحة البيولوجية يمكن تخزينها في مساحات صغيرة كمنزل او مدرسة مثلا.

واسأل الدكتور سامور، المتخصص في عدم انتشار اسلحة الدمار الشامل، ان الاسلحة البيولوجية سهل تصنيعها، واذا دمر المفتشون اسلحة العراق البيولوجية اليوم، يمكنه اعادة انتاجها غدا، وبالتالي لماذا يقصد المفتشون الدوليون تفتيش المنازل واماكن العبادة، بدل تركيزهم على الاسلحة الكيمياوية والنووية؟ يجيب: انهم سيفتشون عن كل شيء، وصحيح ان الاسلحة البيولوجية هي الاصعب من ناحية ايجادها، كما انه من السهل على العراق اعادة انتاجها حتى بعد تدميرها.

ويستبعد الدكتور سامور ان يطلب المفتشون اخضاع الرئيس صدام حسين للتحقيق معه عما لديه من معلومات عن انظمة بلاده العسكرية، بل سيجرون مقابلات مكثفة ومتشعبة مع العلماء.

وهل تعتقد ان العالم تجاوز خطر الحرب؟ يقول الدكتور سامور، ان هذا متعلق بصدام حسين، فاذا قدم الوثائق المطلوبة منه حتى الثامن من الشهر المقبل، واظهر انه صادق وصريح، فالاعتقاد هو ان واشنطن على استعداد لتحمل عملية التفتيش حتى فترة زمنية اخرى، ولو من اجل الايحاء بانها تبذل كل جهد لتجنب الحرب، مع العلم ان الكثير من المسؤولين يشكون في قدرة هذه العملية على حل المشكلة، لكن، ا«ذا اهان صدام حسين مجلس الامن وقدم بيانا لافتا بقصره وقلة معلوماته، عندها اظن ان لا مفر للرئيس الاميركي جورج دبليو بوش من العودة الى مجلس الامن للتأكيد على ان العراق ضيّع فرصته الاخيرة وبالتالي لا بد من استعمال القوة».

ولم يتوقف سامور عند قول طارق عزيز بان العراق لا يملك اسلحة ممنوعة بل اسلحة تقليدية ومواد عسكرية للاستعمال المزدوج، ويؤكد ان اغلب الدول مقتنعة بأن العراق لا بد انه احتفظ ببعض من مواد المخزون الاحتياطي الكيمياوي والبيولوجي، وقد لا تكون لديه اسلحة جاهزة، انما مواد يمكن تحويلها الى اسلحة، وانه من غير المعقول ان لا يكون قد تبقى لديه بعض منها.

ويقول سامور، انه اذا وقعت الحرب، فان مواقع انتاج هذه الاسلحة التي يعرف الاميركيون وحلفاؤهم اماكنها ـ لأن هناك مصانع لا يعرف احد اين تقع ـ ستتعرض للقصف. واسأله في هذه الحالة، عن تأثير قصف مواد بيولوجية وكيمياوية على الشعب والبيئة في العراق، يجيب، ان هناك طرقا لقصف هذه التسهيلات تقلل من السلبيات، وخصوصا التلوث باستثناء تعريض المنطقة المباشرة لهذه السلبيات.

لكن، ما هي المدة المعطاة للعراق ليتبين تجاوبه الكامل؟ يقول سامور، لقد جهد جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير في القول للعراق ان لا مجال امامه للمناورة وان عليه الاعلان عن كل ما لديه، وهما بذلك ارادا الضغط على صدام حسين كي لا يتراجع، ولكن لا احد يعرف ما اذا كان صدام حسين يعتقد ان التهديد جدي او انه قادر على الاستمرار بالمراوغة.

وكان طارق عزيز قال في المقابلة التلفزيونية انه يعتقد ان الدول الاخرى الاعضاء في مجلس الأمن، لن تسمح بشن حرب فورية، بسبب عائق طارئ. ويقول سامور ردا على هذا، «اظن عندها ان بوش وبلير سيذهبان الى الحرب من دون قرار دولي جديد».

لكن صدام حسين سيعرف ان الحرب ستقع، اذ لا بد للدول المعنية من اعطاء مهلة للمفتشين الدوليين لمغادرة العراق، ويقول سامور، ان هذا صحيح، كما ان على اميركا وبريطانيا ارسال قوات عسكرية ضخمة وضرورية لغزو العراق.

وهل سيحتاج الامر الى غزو؟ يقول سامور: بكل تأكيد واظن ان الولايات المتحدة تنتظر الثامن من كانون الأول (ديسمبر) قبل الاعلان عن ارسال قوات ضخمة اخرى الى المنطقة. واظن ان العراق قد يقدم الاطنان من الوثائق من اجل تفشيل عملية الحرب او ابطائها، لكن هذا لن ينفع، لان هانز بليكس عندما سيتسلم هذه الوثائق سيسأل العراقيين: هل تعلنون عبرها عن وجود أي مخزون احتياطي من الاسلحة البيولوجية والكيمياوية؟ فاذا قال العراق: كلا، عندها سيعرف الجميع ان هذا الاعلان كاذب.

ويقول سامور، انه يعرف بليكس جيدا ويثق بانه قادر على القيام بمهمته بموضوعية كاملة من دون تفضيل بغداد او واشنطن، وهو سيقوم بمهمته بدقة تقنية كاملة. ويضيف، ان بليكس هو الذي سيختار المفتشين من بين من تقدمهم حكومات من خبراء لديها، وان المتفشين سيقدمون تقاريرهم الى الامم المتحدة وليس الى الولايات المتحدة او بريطانيا.

على كل، لا بد للعام من ان ينتظر ليرى ما سيحدث، لقد مر التوقيت الاول يوم الجمعة الماضي الذي حدده المجتمع الدولي كمهلة للعراق ليقبل بالقرار 1441. التوقيت الآخر سيكون في الثامن من الشهر المقبل، وهو يحل بعد شهر على صدور القرار نفسه، وفيه يتوجب على العراق، كما ذكرنا، ان يعلن بشكل كامل ونهائي عن كل ما لديه من اسلحة دمار شامل، وليس فقط الاسلحة انما المواد التي يمكن استعمالها للاسلحة حتى ولو قال العراقيون انهم ينتجونها لاهداف مدنية. وذلك البيان قد يكون نقطة الازمة، لان القرار الدولي قال، ان اي بلاغ خاطئ من قبل العراق سيعتبر خرقا من قبله لكل ما التزم به، وبالتالي سيبرر للاميركيين شن الحرب.

وحسب القرار، فان المفتشين سيبدأون مهمتهم في الثالث والعشرين من ديسمبر (كانون الأول)، لكن هانز بليكس قال، ان المفتشين سيبدأون عملهم خلال اسبوع، ونصل بعدها الى التوقيت الثالث الذي حدده القرار، وهو الثالث والعشرون من شهر فبراير (شباط)، وهذا يعني 125 يوما بعد صدور القرار، وعندها يكون المفتشون قد قدموا تقاريرهم الى مجلس الامن، وليس بالضرورة ان تكون التقارير نهائية. واذا شعر المفتشون انه تتم عرقلتهم، فعليهم ان يبلغوا مجلس الامن فورا، ويمكن ايضا للولايات المتحدة او غيرها من الدول ان تقول انها لاحظت عرقلة ما.

ورغم كل ما في القرار الدولي من امور محددة، الا انه لا يضع العراق في الزاوية، لانه لا يتضمن أي شيء يشير الى ان للمفتشين الدوليين وقتا محددا يصلون خلاله الى نتيجة تكشف عما اذا كان صدام حسين يملك او لا يملك برامج اسلحة الدمار الشامل. وحسب تصريحات المفتشين انفسهم، فانها كلها تشير الى حاجتهم الى اشهر خصوصا اذا احتاجوا الى تفتيش مفصل ومحدد ومتشعب، وهذه مهمة طويلة الامد، لا تبترها الا عرقلة من قبل العراقيين. ولهذا، اذا احتاج المفتشون الى اشهر للتوصل الى النتائج النهائية، فهذا يعني ان فصل الشتاء سينتهي، وبالتالي فان الوقت سيتأخر لشن حرب على العراق.

المتشددون الاميركيون وافقوا على اعطاء المفتشين هذه المهلة، التي تعتبر الفرصة الاخيرة لصدام حسين. ولكنهم ـ مثل بعض العراقيين الذين يقولون ان واشنطن مصممة على قلب نظام صدام حسين، يريدون ان يؤكدوا وجهة نظرهم، القائلة انه ـ بعد اربع سنوات من توقف عمليات التفتيش ـ ما زال صدام حسين يرفض التخلي عن اسلحة الدمار الشامل. ويذّكر مصدر اميركي، ان هناك قرارا دوليا صدر قبل 12 سنة يفرض على صدام حسين التخلي عن اسلحة الدمار الشامل بالكامل، ومسألة انه يتجاهل تطبيق هذا القرار طوال هذه السنوات لا بد من يكون لها ثمن. ويضيف: ما نستغربه هو ان الجميع يتصرف وكأن صدام حسين غزا الكويت الشهر الماضي!