هاري وغرفة الأسرار

TT

اصل الشر في العالم الجشع والصراع على الملكية، واصل الشر في كتاب «هاري بوتر» الذي تحول الى ظاهرة في الثقافة العالمية ،ساحر رهيب اسمه «فولدرمورث». ولا اعرف على وجه التحديد ان كان الاطفال سيتم السماح لهم في المستقبل بمشاهدة الافلام المأخوذة عن ذلك الكتاب المخصص اصلا للاطفال، فكمية الشر، ومعه العنف، تزيد من كتاب لآخر ومن فيلم لآخر لتبلغ ذروتها في الكتاب الرابع.

وفيلم الجزء الثاني من هاري بوتر «غرفة الأسرار» بدأ عرضه في الصالات منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) وفيه كمية معتبرة من الرعب، ومع ذلك حمل العلامة الصالحة للاطفال كما حملها قبله فيلم «الحديقة الجوراسية» الذي يحمل كمية من الرعب والعنف لا يطيقها الكبار، فما بالك بالصغار والناشئة. والفيلم الجديد كسابقه يبدأ مضحكا وكوميديا، ويختتم بنهاية سعيدة، فالساحر الصغير هاري بوتر يتمكن من انقاذ اصدقائه وزملائه في مدرسة السحر من مكائد «فولدر مورت» الشرير الكبير، الذي يرعى في غرفة الاسرار افعى اسطورية «باسيليك» كل من ينظر اليها يموت. اما الذي يرى انعكاسها في الماء او المرآة فيتجمد بانتظار من يعيده للحياة، هذا اذا كان عنده اصدقاء من السحرة والساحرات.

والشخصيات الرئيسية في الفيلم لم تتغير، فما يزال «دامبلدور» ناظر مدرسة السحرة على حاله، لكنه قطعا لن يكون كذلك في الفيلم الثالث فقد مات الممثل الذي يؤدي دوره بعد انجاز الفيلم الثاني. اما «هاجريد» الساحر الطيب العملاق، فما يزال الممثل الذي يؤدي دوره بصحة جيدة، واللافت في الممثلين هذا العام دور «كينيث براناه» الذي يقوم بدور البروفيسور الذي يعلم مقاومة السحر الاسود الشرير.

وهذا دور دائما تحت الشبهات، ففي الفيلم الاول نكتشف ان البروفيسور الذي كان يعلم تلك المادة مجرد خادم مطيع للشرير الكبير فولدر مورث اصل الشرور كلها، وفي هذا الفيلم نرى مدرس المادة نفسها نصابا كبيرا، لكنه والحق يقال خفيف الظل كما يليق بالنصابين الوسيمين.

وحسب الكتاب والفيلم، فإن ذلك البروفيسور النرجسي المعجب بنفسه بلا حدود ليس له أي اثر يذكر في مقاومة السحر الأسود فهو نفسه يقوم بأعمال شريرة، وكل انجازاته انه يسرق جهود الآخرين، وينسبها لذاته المتضخمة، ولا يظهر من يكشفه لانه يمحو ذاكرة اولئك الذين يسرق جهودهم كي تضيع الآثار.

ومنذ اول الفيلم نقع تحت وهم ملخصه ان الذي فتح غرفة الاسرار قبل خمسين عاما هو الساحر الطيب «هاجريد» الذي جرى تجريده من القابه وتم كسر عصاه السحرية وتحويله الى حارس حديقة المدرسة عقوبة له على تلك الغلطة الفظيعة، لكن مغامرة هاري بوتر في غرفة الاسرار، وهي التي يصحبه فيها مجبراً بروفيسور مقاومة السحر الاسود، تكشف عن قصة مختلفة، وتبرئ ساحة الساحر الطيب الذي يحبه جميع طلبة اكاديمية السحرة الموجودة في مكان ساحر مجهول، ويتم الذهاب اليها بقطار مجهول من رصيف في محطة لندنية لا يراه احد من العابرين العاديين.

والخلاصة التي نتعلمها من «غرفة الاسرار» ان الساحر الشرير سيظل محبوسا في العالم السفلي، فقد عجز عن العودة للحياة بوساطة خدعة المفكرة الناطقة وبروح الطالبة «جيني» التي تنقذها مع الآخرين شجاعة هاري بوتر الذي يقتل الافعى الرهيبة، ويكتشف البروفيسور النصاب، ويقوم بكافة الافعال التي تليق بالابطال المحبوبين.

انها فكرة عبقرية من «جي ـ كي رولينغ» مؤلفة الكتاب ان تجعل من ساحر الشر مجرد ذاكرة في مفكرة يحاول المهزوم ان ينفخ فيها الروح ويعيدها للحياة، والحقيقة ان مخيلة تلك الكاتبة الفذة من النوع الذي لا يعلى عليه، وهذا ما جعل من كتابها ظاهرة عالمية، ومن الافلام المأخوذة عنه مناسبة ينتظرها الكبار قبل الصغار، ففي داخل كل انسان ـ مهما كبر ـ حب للغموض والغرائب، ومحاولة لفهم اصل الخير، واصل الشرور في عالم نجح في ايجاد علاج لاخطر الامراض، وظل عصيا عليه علاج النفوس المريضة السادرة في غيها، وشرورها على ارض الواقع، وفي سماوات المخيلة والافكار.