مختل عقليا

TT

الذي يطالع بيانات الحوادث العديدة الاخيرة يظن ان ابواب مستشفيات المجانين قد فتحت على مصراعيها، وان الشوارع تكتظ بالمختلين عقليا الهاربين بالقمصان البيضاء في شوارع عشرين دولة عربية، آخرها حوادث في الكويت والامارات والسعودية واليمن وتونس.

فهل فعلا نحن في زمن المجانين ام اننا في مصح عقلي كبير اسمه العالم العربي؟

لو جمعنا الاحداث التي اصابت العالم، لا العالم العربي، وحسبنا دورنا فيها كعرب ربما ليس مبالغة ان نصم انفسنا بالجنون، فالفارق بين العقل والجنون شعرة ليس الا. ولا نحتاج ان ننظر ونقارن بين وضعنا ووضع الآخرين بل يكفينا ان نقارن بين وضعنا اليوم ووضعنا قبل عشرين او ثلاثين سنة، وهذا في حد ذاته سيكون الفاصل.

انه ليس غريبا ان تتحول المنطقة الى حديقة للمجانين طالما ان عامة الناس معرضون اليوم لخلخلة في ميزان التفكير وحتى لفقدان العقل. سابقا، أي قبل سنين من الهيجان كانت الاغلبية في بيوتها بين ذويها لا تعاني من اضطرابات فكرية كتلك التي تمر بها حاضرا. ولا يستطيع احد ان يزعم ان اوضاعنا السياسية الآن هي اكثر رداءة عما كانت عليه قبل عقدين او ثلاثة بل الطارئ الجديد هم قادة الفكر الذين صار المرجفون ودعاة الفوضى يحاولون دفع الغوغاء الى الواجهة.

فلا مجتمعنا اليوم يماثل مجتمع الامس، ولا نعرف مجتمعا في العالم يمكن ان يقارن بمجتمعنا العربي، كما هو عليه في اضطراباته وفوضويته وغوغائيته. لماذا حدث ذلك؟ حدث بفضل من أصبحوا قادة فكره فقادوه الى هذا الواقع المؤسف. والمفارقة المؤسفة اننا كنا نبكي في الماضي من سوء الاعلام الحكومي المحنط وصرنا اليوم نبكي من الاعلام الفالت، بعد ان وجد الاناركست الفوضويون مخرجا لهم من الازقة المظلمة الى عالم فسيح. استفادوا من بطء الحكومات الديناصورة وعجزها عن الفهم، وركبوا فوق اكتاف حكومات ومؤسسات محتقنة بعقدها الصغيرة لا تنظر الى ما هو أبعد من أنفها. قادة الفكر اليوم هم وراء توسيع محيط هذا المستشفى الكبير من المجانين الذي نرى آثاره في كل ركن من اركان العالم تاركا بصماتنا وراءه.

كان لا بد ان نضحك في البداية من تسمية مرتكبي الاحداث بالمختلين عقليا مع ان الفارق شعرة ليس الا. لكن هذه قصة مختل عقليا، كما وصفه بذلك اهله، حيث حمل سلاحه واطلق النار على وزارة المالية في الرياض فقتل في تبادل لاطلاق النار مع الامن. قالوا عنه: كان اخونا شابا ذكيا عاقلا حتى اصبح بسبب ادمانه على المتابعة متأثرا بما يشاهده ويسمعه على التلفزيون. ويعترف اهله ايضا انهم حاولوا اقناع مصح الامراض النفسية بعلاج اخيهم من حالة انفصام اصابته لكن المسؤولين في المستشفى اعتذروا لعدم وجود سرير له، حتى وقعت الحادثة ولهذا هم يعلنونها صراحة ان المسؤولين مسؤولون عما حدث لأخيهم.

القصة الاخرى في الكويت حيث قام شرطي اؤتمن على حماية المنطقة باطلاق النار على اثنين من الاميركيين. لماذ فعلها؟ هل هو مختل ايضا؟ ردت مصادر رسمية في الكويت تعلن ان الشرطي ليس مختلا عقليا، لكنه كاره للاميركيين. أليست الكراهية التي تدفع شخصا لمحاولة القتل اختلالا عقليا؟

المختلون أمثالهم هم سهار الليل وضحايا طبيعيون لمحطات مثل الجزيرة وامثالها. فهذا الكويتي والاماراتي وقبلهما السعودي ليسوا الا خريجي مدرسة الجزيرة التي تفاخر بأفعالها.