كوارث الزيت البحرية

TT

كارثة ناقلة النفط التي غرقت قبالة الساحل الاسباني في أوائل الاسبوع الماضي اظهرت مدى هشاشة بيئة الارض وضعفها، كما اظهرت مدى عدم اكتراث بعض الحكومات والشركات في قضايا البيئة، أو اتخاذ تدابير جذرية حاسمة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث في العالم التي تقضي في كل مرة على الحياة البحرية لفترة طويلة.

فقد كان يتوجب على الشركة المالكة لهذه الناقلة سحبها من الخدمة منذ أمد بعيد وإحالتها الى المعاش. لكن الجشع شجع اصحاب الشركة على اطالة خدمتها، ضاربة عرض الحائط بالقوانين والانظمة.

ورغم انقسام خبراء البيئة البحرية حول الاجراءات التي كان من الواجب اتخاذها ما بين فريق طالب بسحبها الى الشاطئ لافراغ شحنتها من الزيت الخام البالغة 77 ألف طن، وبين فريق آخر أيد الاجراء الذي اتخذته الحكومة الاسبانية لقطر الحطام الذي انشطر الى جزءين بسبب العواصف العاتية إلى عرض المحيط، حيث غرق مطلقاً الزيت الذي لوث المكان بامتداد عشرات الكيلومترات بطولها، إلا ان الكارثة بقيت من النوع الثقيل جداً. فالمكان غني بالاسماك وثمار البحر.

إن العديد من المكونات السامة للزيت قد تبخرت الآن، أو في طريقها الى التبخر خلال اسابيع، أو قد تنتشر وتختفي في المياه ولا تترك أي أثر، استنادا الى أقوال الخبراء البحريين في مختبرات بليموث البحرية في بريطانيا، مما يعني ان قرار عدم سحب الحطام الى الشاطئ كان سليما تماما. لكن ذلك لا يعني ان المياه ستطهر ذاتها من التلوث خلال فترة قصيرة، فالخبراء منقسمون حول الآثار البعيدة التي يتركها تلوث البحار ببقع الزيت الواسعة الانتشار.

فبينما يزعم بول كينغستون، من جامعة هيريوت ـ واط في أدنبره الذي عالج كارثة الناقلة «اكسون فالديز» في آلاسكا قبل سنوات، والتي سببها خطأ بشري آخر كان يمكن تلافيه، أن التلوث سيزول مع الزمن ولا يترك أثاراً ضارة، يؤكد الآخرون العكس تماما.

يقول كينغستون: «ان الزيت كان ولا يزال جزءا لا يتجزأ من بيئتنا الطبيعية منذ ملايين السنين. من هنا فإن أي تلوث بالزيوت يختفي خلال سنتين الى عشر سنوات»!!

غير ان صيادي الاسماك الذين يعانون اصلاً من نضوبه في البحار يخالفون هذا الرأي طبعا. ويتفق معهم بعض خبراء السموم بقولهم ان بقع التلوث الكبيرة تترك آثاراً تدوم عقودا عديدة من الزمن. ويؤكد ذلك رون هينز الخبير في بقع الزيت لدى الادارة الاميركية بقوله ان كميات صغيرة من الهيدروكاربونات العطرية الموجودة في الزيت تسبب تحولات في اجنة الاسماك، التي من شأنها ان تهلك العديد منها قبل ان تصل الى مرحلة البلوغ، مما يهدد ما تبقى من الثروات البحرية في الصميم. واضاف ان التلوث بالزيوت له تأثيرات طويلة الامد حتى ولو كان بتركيزات ضئيلة جداً، وهو ما يناقض النظرة السائدة في بعض الاوساط العلمية بأن الزيت ليس مادة عالية السمية. ومع ذلك تظل صناعة الشحن النفطي تتجاهل هذه الوقائع، مؤثرة الربح السريع على الحفاظ على بيئة الارض ومياهها. إذ ان تسرب الزيوت لا يؤثر على ثمار البحر فحسب، بل يؤثر ايضا على نباتاته وطيوره، وعلى السواحل البحرية كذلك، مدمراً السياحة والاقتصاد. لقد تعددت مثل هذه الكوارث، ولم تتمكن حكومات العالم حتى الآن من وضع حد نهائي لها وللنقاش الدائر بين العلماء حولها، رغم سهولة الحل في ضوء الاكتشافات العالمية الأخيرة والانجازات التقنية المستمرة، لأن الطمع يأتي أولاً، وقبل كل شيء، على رأس قائمة الاولويات.