هكذا تبخرت رواية المؤامرة

TT

ليس لأحد ان يلوم أباً مفجوعاً مثل محمد الفايد، التاجر المصري المعروف، عندما كان يطلق التهم يمينا وشمالا حول مؤامرة دبرت لقتل ابنه دودي والاميرة ديانا في نفق احد شوارع باريس. وصاحب ذلك النحيب صراخ الفرقة الغنائية العربية التي تلقفتها وضخمت صداها فأصدرت اخبارا وكتبا عن المؤامرة واعتبرت انها دبرت لمنع المسلمين من الاقتراب من عرش الحكم البريطاني، رغم ان ديانا كانت سيدة مطلقة لا دور لها في الحكم او أي ابناء يولدون منها مستقبلا. عزفت فرقة التشكيك كلاما فارغا وجد كالعادة آذانا صاغية تشعر دائما بأن هناك من يتربص بها حتى في قضايا عائلية او حوادث سيارات كهذه.

الفايد يسعى الآن لتغيير مسار الحادثة، ليس بمحاكمة أحد بتهمة التآمر لقتل ابنه، بل محاكمة اطراف يقال انها تآمرت للكذب عليه من خلال تزويرها وثائق لتبرهن عن مؤامرة مزعومة. وربما أثرت تلك الوثائق على الاب المكلوم في حينها حتى اكتشف لاحقا انها ليست الا مزورة حاول اثنان بيعها له.

واذا عزم الفايد على محاكمة المزورين الاثنين فانه سيخدم بذلك الحقيقة وتاريخ ابنه، بعد ان ضُلل هو وضُلل معه كثيرون بقصص خرافية حول مؤامرة لقتل الاميرة وصديقها.

ولا يمكن ان ننفي بالمطلق وجود دسائس تحاك في الحياة الخاصة العادية أو الحياة العامة الكبرى، الا ان الخطأ ان يتبنى احد خاطرة فيعتبرها حقيقة بلا برهان فقط من قبيل الشك او اعتمادا على روايات اناس غير ثقات. وما حدث في نفق باريس كان من غير المعقول ان يوضع في اطار مؤامرة رغم الجهود التي بذلها المؤمنون بنظرية الدسيسة لاثبات ان خللا مقصودا وقع، فعادوا لفحص سجلات السيارة المستخدمة والحارس الناجي الوحيد، واستخدم محققون خاصون للتعرف على كل المشاركين من مصورين الى اطباء، وفحصت سجلات المكالمات الهاتفية وحركة النزلاء في الفندق ولم يعثروا قط على دليل مقنع واحد يثبت صحة روايتهم. وكانت نقطة الضعف الرئيسية في القصة هي الحادثة نفسها، فحادثة سير لا يمكن ان تكون مدبرة بالشكل الذي وقعت به بنتائج مضمونة بوفاة ركاب بعينهم الا في عمليات قتل متعمدة قاسية لا حوادث كهذه حيث ترتطم السيارة فيها بعمود في النفق اثناء مطاردة مع دراجات نارية متعددة لمصورين صحافيين، فقد ثبت ان سائق السيارة كان ثملا. ايضا، لم يكن الدافع هو الآخر معقولا ولا منطقيا يصل الى حد ارتكاب جريمة في مدينة كبيرة كهذه وتحت بصر اشهر مصورين في العالم الا اذا كان المتآمر احمق، وهو امر كان سينكشف. فأي دافع؟ زواجها ربما كان محرجا لكنه لم يكن عقبة في الترتيب الملكي، فإمارتها مكتسبة وليست في سلم الحكم، ومطلقة ايضا، وليس لها سلطة على ابنيها لاحقا. هذا اذا صدقنا رواية وعد الزواج وهو امر نفاه معظم المقربين منها وظهر ان لديانا صداقات اخرى عديدة غير هذه.

وقصة أسلمة ديانا هي الاخرى لم يصدقها المقربون من دودي نفسه لأنه كان شابا عاديا بلا توجهات فكرية او دينية، همه كان النجاح في حياته العملية في الانتاج السينمائي وربما رعاية مصالح أبيه التجارية.

لقد راجت السوق بروايات خرافية.. لهذا ستكون محاكمة الفايد لمزوري الوثائق فاصلا مهما يوضح كيف تصبح الأكاذيب حقائق في عقول بعضنا.