مشوارهم طويل

TT

اتصل بي قبل آونة المستشار القانوني خالد عيسى طه، رئيس منظمة «محامون بلا حدود»، وطلب مني الموافقة على ترشيحي كعضو في هذه المنظمة لحضور مؤتمر المعارضة العراقية الذي لا ادري متى او اين سيكون. فسألته عن مكان انعقاده، فقال لي في لندن. قلت: آسف لا تضع اسمي في القائمة. انا اعيش في لندن. فما فائدة هذا المؤتمر بالنسبة لي؟ لو كان في امستردام، لكنت رحبت وشكرتك سلفا، ففيها مجموعة كبيرة من لوحات فان كوخ لم ارها من قبل. وحياة امستردام الليلية لا تضاهيها حتى ليالي باريس.

قبل الزميل ابو خلود اعتذاري وتصورت ان الموضوع قد انغلق، ولكنني فوجئت بعد ايام قليلة بأن طرفا ما او شخصا ما قد رشحني لحضور المؤتمر. لم أعبأ بالامر. فكما يقول الانجليز تستطيع ان تأخذ الحصان الى النهر ولكنك لن تستطيع ان تجعله يشرب. بامكانهم ان يرشحوني ملكا على عرش العراق، ولكنني سأفضل وسأبقى كصايع ضايع في ومبلدن. لن اقع في الخطأ الذي وقع به الامام الحسين رضي الله عنه.

مرت ايام قليلة واذا بي اسمع من صديقي سعد البزاز، ان ترشيحي اثار مشكلة بالنسبة لمنظمي المؤتمر. فعندما ادرج اسمي في القائمة اعترضت عليه الكتلة الاصولية، ولكن ليس لاني يهودي كما تصور البعض، وليس لأنني متزوج بامرأتين يهوديتين كما تصور بعض آخر، وانما لأنني احمل افكارا لا تتلاءم مع تصورهم لمستقبل العراق، وهو صحيح، واكثر من ذلك، انه الشيء الصحيح الوحيد في تفكيرهم السياسي.

لقد حضرت اجتماعات قليلة للمعارضة العراقية، ووجدت بصورة عامة انهم ينقسمون الى نوعين، نوع يبحث عن رزق ونوع يبحث عن حياة اجتماعية يملأون بها فراغ حياتهم. لا ادري ان كان بينهم من يبحث عن زوجة او امرأة تبحث عن زوج. وهو الشيء الشائع في الاوساط السياسية الغربية. ولكن لا خبرة لي او معرفة بالزواجات العربية. لا أحد يعبأ بمستقبل العراق او احوال الشعب العراقي غير قلة أقل من القليلة.

اما مستقبل الديمقراطية، وكلهم يتحدثون عنها، فها هو خير مثال، حالما اختلف شخص مع تفكيرهم شطبوا عليه ومنعوه حتى من الاستماع للغوهم. هذا شيء طالما اشرت اليه. مشوارنا طويل. او بالأحرى والاصدق مشوارهم طويل. فبالنسبة لي، انا اجتزت مشوار الديمقراطية منذ بلوغي سن الرشد. ازاولها في بيتي، في مكتب عملي، مع اهلي واصحابي وجيراني.

افطر بها واتغدى بها واتعشى بها. اخترت وطنها وطنا لي وقيمها شريعة لي.

ليلى المريضة في العراق. ما اصدق ما قاله زكي مبارك بشأن ذلك البلد. ويبدو في كل الجوانب انها مريضة بمرض لا شفاء منه. العلاج الوحيد الممكن هو ان تمنع هذه الايادي من مسها لتسلم الى فريق لا يتعاطون السياسة، اطباء ومهندسين واكاديميين وعلماء واقتصاديين واصحاب اختصاصات لم يسبق لهم ان قرأوا اي كتاب سياسي او حضروا اي مؤتمر او انضموا لأي حزب او آمنوا بأي ايديولوجيا او فكرة. واهم من كل ذلك، اناس لم ينضموا الى اي هيئة معارضة او قرأوا اي جريدة من جرائدها.