محامو صدام

TT

لم تكف المنظمات المعادية للحرب في الولايات المتحدة وأوروبا على الاستشهاد بالقانون الدولي كي تحث الرئيس بوش على عدم إسقاط صدام حسين. فضمن هذا السياق قام المجلس الأعلى للكنائس وتشكيلات دينية أخرى بتحذير بوش من أن أي عمل عسكري «سيرفع من درجة القلق لدى بلدان أخرى حول مدى احترام الولايات المتحدة لسيادتها كأوطان، إضافة إلى مدى احترامها للقانون الدولي». كذلك تهدد الحملة الهادفة لنزع السلاح النووي في بريطانيا أن تجر رئيس الوزراء توني بلير إلى المحاكم وتعزز تهديدها عبر رفع المذكرات والرسائل المستندة إلى حواش كثيرة تدعم موقفها.

كل ذلك مفهوم تماما، فلا أحد يريد عالما تشعر البلدان القوية فيه أن لها الحرية المطلقة كي تقوم بضرب البلدان الأضعف. ولعل قراءة هذه المنظمات للقانون الدولي صحيحة حينما ترى أن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يحق لهم أن يشنوا الحرب بدون صدور قرار آخر من مجلس الأمن الدولي.

مع ذلك، وعند أخذ موقف هذه المنظمات تجاه صدام بنظر الاعتبار من حيث أنها تبنت دور المدافع عنه، يكون المرء مجبرا على التساؤل إن كانت هذه المنظمات قد قرأت القانون الدولي بشكل صحيح. ليس هناك شيء مضحك في القانون الدولي أو غير قابل للتنفيذ. نعم، يجب احترام الحدود القومية للأوطان، لكن لماذا يُمنح قاطع طريق، تمكن من الحفاظ على السلطة عن طريق خرق كل المعايير الأخلاقية وكل القوانين (بضمنها القانون الدولي)، الحماية وراء تلك الحدود؟ لماذا يتمتع نظامه بنفس الحماية التي تتمتع بها حكومة تمثل شعبها؟

ليس هناك أحد، حتى أكثر الحمائم حمائمية، يظن أن صدام حسين هو ممثل شرعي للشعب العراقي. فهو يحكم بفضل جهاز أمن دموي استخدمه كأداة لقتل آلاف الأبرياء عبر سنوات قبضه على السلطة. في الأسبوع الماضي أصدرت الحكومة البريطانية تقريرا مختصرا عن جرائم صدام حسين وأورد التقرير أساليبه المفضلة في التعذيب، إذ إضافة إلى الضرب وقلع الأظافر هناك قلع العيون وحفر الأيادي بمثاقب كهربائية والتعليق من السقوف والصدمات الكهربائية والاعتداءات الجنسية وتنفيذ عمليات إعدام وهمية وأحواض التذويب بالحوامض. هناك أيضا اغتصاب الزوجات لانتزاع الاعتراف من أزواجهن بينما يُجلب الأطفال كي يراقبوا ما يجري. والسجناء «يُضغطون داخل صف من الصناديق المعدنية مماثلة لتلك التي تُستخدم في حفظ الموتى حتى يعترفوا بجرائمهم أو يموتوا».

بالتأكيد يعرف الغربيون المعارضون للحرب كل ذلك. يكتب القس روبرت ادغار وزملاؤه: «على الرغم من معرفتنا لما يشكله صدام حسين من تهديد لجيرانه ولشعبه لكننا مع ذلك نؤمن بأنه أمر خاطئ وضار بمصالح الولايات المتحدة للقيام بعمل عسكري كهذا». وفي الشهر الماضي جاء ضمن البيان الذي صدر عن مؤتمر الأساقفة الكاثوليكيين في الولايات المتحدة: «ليس لدينا أي أوهام حول نوايا الحكومة العراقية. فالقيادة العراقية يجب أن تكف عن قمعها الداخلي وأن تنهي تهديداتها لجيرانها وأن توقف دعمها للإرهاب وأن تتخلى عن مساعيها لتطوير أسلحة الدمار الشامل وأن تدمر ما لديها من أسلحة كهذه حاليا». ولعل الأساقفة قد اعتادوا في عالمهم أن يطاعوا، لكنهم لم يشرحوا على من يجب أن يوقف صدام حسين «قمعه الداخلي».

يزعم المعارضون للحرب غالبا أنهم يتحدثون باسم الشعب العراقي. لكن في أي نظام ديكتاتوري من الصعب قياس مشاعر الناس، خصوصا في نظام وحشي شبيه بالنظام العراقي. فقبل عامين فقط أدخل مجلس قيادة الثورة عقوبة «قطع اللسان» كإجراء مناسب لكل من يتكلم بشكل سيئ ضد صدام حسين أو ضد عائلته.

مع ذلك، هناك مفاتيح تساعد على معرفة الرأي العام العراقي، فهناك الآن ما يقرب من شخص واحد من بين كل سبعة عراقيين قد فضلوا ترك الوطن على أن يعيشوا تحت نظام صدام مثلما أكد عليه تقرير بريطاني.

وفي الأسبوع الماضي أصدرت «منظمة الأزمة الدولية» (آي سي جي) تقريرا صغيرا حول بحث يحمل عنوان «أصوات من الشارع العراقي»، ووجد الباحث الذي قام بمقابلة عراقيين عاديين للمرة السادسة في السنوات الأخيرة أنهم منفتحون أكثر من أي وقت مضى. وهذا بحد ذاته يمكن اعتباره نجاحا أوليا حققته سياسة بوش، وعزا الباحث ذلك إلى «المشاعر التي يشترك بها الكثير من العراقيين من أن تغييرا سياسيا ما أصبح لا مفر منه».

وما يثير الانتباه أكثر من أي شيء آخر أن الباحث الذي قام بالمقابلات وجد «شعورا جارفا بالخيبة ونفاد الصبر من الوضع القائم». فالناس يريدون التغيير ومستعدون أن يعبروا عن ذلك وانه «إذا كان ذلك يستوجب هجوما تقوده الولايات المتحدة فإنهم سيدعمونه».

كان ذلك أضخم من أن تتقبله «منظمة الأزمة الدولية» المعنية بإجراء البحوث في المناطق المضطربة من العالم، وهذا ما جعل التقرير يقول إنه «مذهل وغير متوقع أن تجد هذا القدر من الاستعداد لتأييد حرب تقودها الولايات المتحدة كسيناريو للتغيير»، حسب ما قال غارث ايفانز رئيس هذه المنظمة الذي سبق له أن شغل منصب وزير خارجية في استراليا. وأضاف ايفانز: «لكن ذلك لا يعني بحد ذاته أن الحرب مرغوب فيها أو لا مفر منها».

تعكس ردود فعل غارث ايفانز هذه ما قالته منظمة العفو الدولية ردا على التقرير البريطاني المتعلق بحقوق الإنسان العراقي. فهي كانت تتشكى دائما من عدم أخذ كشوفاتها بشكل جدي، لكنها الآن تعبّر عن انزعاجها الشديد من أن يقوم طرف ما برد فعل ما تجاه المظالم المرتكبة في العراق. فمنظمة العفو الدولية لا تريد «أن يستخدم تقريرها بشكل انتقائي لتحقيق أهداف سياسية معينة»، حسب ما قال متحدث باسمها.

لكن لِمَ لا؟ فحركات السلم والمنظمات الدينية والمدافعون عن حقوق الإنسان يريدون دائما أن يكون هناك موقف أخلاقي في إدانة القمع ودائما هم يعارضون استخدام القوة. وقد يكون القانون الدولي إلى جانبهم. لكن السؤال الأصعب هو إن كانت مصلحة الشعب العراقي تعنيهم بشكل حقيقي أيضا.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»