«شارع العروبة» يتقلص ويخجل

TT

الشارقة، هذا الصباح. واذ امسينا اليها الليلة للبارحة، بان في الاضواء انه اصبح لديها «كورنيشها» مثل أبو ظبي، وصارت لها شاهقاتها مثل دبي، ولم تعد طرقاتها الرئيسية ثلاثة فقط، «شارع الوحدة» و«شارع جمال عبد الناصر»، و«شارع العروبة»، والسبب سببان، أولهما ان العروبة مكسورة الخاطر، مكسوفة البال، في عدها وعديدها من قطر الى قطر، وتجرف قواعدها السيول الصغيرة. وثانيهما انه ليس في الاسماء ما يكفي لاطلاقه على كل هذه الشوارع والجادات وهذا الامتداد في كل اتجاه، خصوصا الشاهق منه، كأنما آية التقدم والنمو في الخليج تقضي بتقليد مانهاتن في الفولاذ والاسمنت والزجاج.

الشارقة، هذا الصباح، وفي «الخليج»، يكتب الدكتور محمد فارس الفارس عن رحلة وليم بالغريف الى الشارقة ودبي العام 1863 قبل رحلته الشهيرة الى الرياض. ويستنتج الدكتور فارس ان البريطاني بالغريف جاء الى المنطقة بتكليف من لندن الرسمية من اجل دراسة طباع أهلها وعاداتهم. ويقول ان الانكليز استطاعوا بهذه الطريقة ان يحكموا مناطق شاسعة من العالم. ويضيف: «ويبدو ان الانكليز الذين كانوا يسيطرون على المنطقة من الخارج، لم يكن لديهم وجود داخلي فعال.كانوا يريدون معرفة المزيد من المعلومات عن الامارات وايضا بقية المناطق الاخرى من الخليج، وهذا ما يفسر تجوال بالغريف في مدن نجد والحجاز والمناطق الشرقية من الجزيرة العربية والبحرين وقطر وعمان (...) ولذا لم يكن من الممكن ان يتجول في تلك المناطق مسؤولون رسميون، ولذا وفد فيما بعد المزيد من الرحالة مثل جون فيلبي وغيره كثيرون...».

يزيد الدكتور فارس، ان بالغريف ارسل مستطلعا من قبل الامبراطورية التي كانت تعتمد في تلك المرحلة المغامرين والمستعربين والمستكشفين. واعتقد، غير جازم، ان وليم بالغريف البريطاني المولد ارسل الى المنطقة من قبل لويس نابوليون، امبراطور فرنسا وليس من قبل التاج البريطاني. وقد ولد وليم بالغريف لعائلة يهودية تدعى كوهين ثم اعتنق الكثلكة وانضوى في السلك اليسوعي. ومن هناك ارسله نابوليون الى المنطقة. وقبل رحلة الرياض امضى فترة من الزمن في لبنان وشارك في الحرب الأهلية بين الدروز والموارنة ولعب دورا غامضا بين الفريقين (العام 1860) وامضى معظم وقته آنذاك في بلدة زحلة.

لقد سادت في المنطقة الى زمن نظرية تقول ان «الانكليز» كانوا خلف تلك العمليات الاستطلاعية. والحقيقة انهم كانوا خلف اكثرها بالتأكيد. وقد بدأ الرحالة الكبير ويلفرد كيسيغر حياته بين القبائل في الامارات يسجل اسماءها ويدرس كل شيء عنها. والكتب التي تركها الرحالة في هذا الباب كثيرة وجذابة وقيمة، لعل اشهرها واجملها كتاب «عربي الصحراء» للكاتب والسياسي ر. ديكسون، الذي وصف بالرسوم والكلمات حياة البادية في الكويت، واسلوبها في العيش والتنقل.

وقول الدكتور فارس ان «الانكليز» ارسلوا جون فيلبي او سانت جون فيلبي او عبد الله فيلبي، فيما بعد، فيه ايضا الكثير من الجزم. فقد بدأ فيلبي حياته في الهند موظفا بريطانيا بالفعل، لكن المغامرة حملته فيما بعد الى عالمه الساحر في الصحراء، والمعروف انه كان من المعادين للمؤسسة البريطانية ومتمردا عليها. وقد اورث هذا الشعور الى ابنه كيم فيلبي الذي اختار العمل لحساب السوفيات في اشهر واوسع عملية تجسس في التاريخ البريطاني. كذلك معروف ان فيلبي الأب دفن في لبنان وليس في بريطانيا، كما يوصي عادة معظم الرجال.

من الطبيعي ان نميل الى الاعتقاد ان بالغريف عمل «للانكليز» لأن عصر الرحالة الى الجزيرة والخليج كان عصرا بريطانيا منذ منتصف القرن السابع عشر الى منتصف القرن العشرين. الا ان أفرادا من بلدان أوروبية اخرى تركوا آثارا مهمة في هذا الحقل، أولهم الايطالي فارثيما وابرزهم فنلندي اتخذ لنفسه اسما عربيا بعد اشهار اسلامه. وكانت أول وابرز مجموعة قامت بالرحلة الى الحجاز واليمن والعراق، دانماركية ضمت ألمانياً. وكتب احد الزملاء مؤخرا ان المجموعة كانت بقيادة الألماني ننيبور. وبذلك جرد الدانمارك من اشهر رحالة في تاريخها الملكي. طبعا عن غير قصد.