الولايات المتحدة والكوريتان

TT

انتخاب روه مو هيون رئيسا جديدا لكوريا الجنوبية يمثل دعوة وجهها شباب كوريا لإقامة شراكة حقيقية ـ وليس فقط «شراكة» ـ مع الولايات المتحدة. ووفقا للنتائج الأولية فإن 59 في المائة من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين العشرينات والثلاثينات أدلوا بأصواتهم لصالح روه.

هؤلاء الشباب الذين لا تشغلهم ذكريات الحرب الكورية ويدفعهم الحماس الاقتصادي، يرغبون في السلام والارتباط مع كوريا الشمالية، كما يرغبون في إصلاح أوضاع بلادهم الاقتصادية وأن يقطفوا ثمار تجربتهم الديمقراطية الناشئة.

صحيح ان طموحات كوريا الشمالية النووية تشكل تهديدا للعالم وليس فقط لأمن المنطقة، لكن الخلافات الواضحة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية فيما يتعلق برؤية البلدين لكيفية التعامل مع الشمال ــ حيث ترغب واشنطن في احتواء الموقف، بينما ترغب سيول في التواصل مع بيونغ يانغ ـ يمكن فقط أن تخدم مصالح كوريا الشمالية، وليس المصالح الأميركية، على اعتبار ان الأولى ظلت تتلاعب بموقف الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لحسابها.

إذا ما أرادت إدارة بوش كبح جماح أساليب كوريا الشمالية، فعليها الاستناد للانتخابات كمبرر للتخاطب مع الشمال، حتى لو اعتقد البعض إنه من السابق لأوانه إجراء محادثات مع بيونغ يانغ قبل أن تتراجع عن برنامجها النووي المحفوف بالمخاطر.

من المؤسف ان العديد من الكوريين الجنوبيين يشعرون، على ما يبدو، بان العلاقة مع الولايات المتحدة تشكل عائقا، وليس دافعا، أمام مستقبل إيجابي. وبخلاف معظم بقية العالم، يعارض الكوريون بنسبة 3 إلى 1، الحرب ضد الإرهاب كما اعتبر 73 في المائة منهم ان الولايات المتحدة لا تأبه كثيرا بموقف الآخرين إذا لم تكن تتجاهلهم تماما.

وهذه المعلومات لن تفاجئ ايا من الأميركيين الذين تابعوا ما تناقلته وكالات الأنباء عندما تدفق الكوريون نحو شوارع العاصمة سيول، معربين عن احتجاجهم على النظام القضائي المتبع لدى الجيش الأميركي، بعدما تمت تبرئة جنديين من تهمة قتل فتاتين دهستهما عربة عسكرية أميركية. ولا يمكن لمن تتبع الانتخابات الرئاسية الكورية الأخيرة، عدم ملاحظة الدعوة التي أطلقها الكوريون من أجل إقامة علاقة أكثر نضجا مع الولايات المتحدة.

قد يتساءل أولئك، الذين يشعرون بالقلق من التهديد النووي الذي تمثله كوريا الشمالية، عن المفارقة بين دعوة كوريا الجنوبية لتبني سياسة «الشمس المشرقة» التي تستند على الارتباط، وبين رغبة الولايات المتحدة في تجميد أية اتصالات مع الشمال. واقع الحال ان البيانات المتوفرة تشير إلى حقيقة مهمة مفادها ان هناك من يعتبر الولايات المتحدة، التي تحظى بالاعجاب لتفوقها التقني ولديمقراطيتها وللنجاحات التي حققتها، تعيش في عالم لا علاقة له ببقية العالم. وهؤلاء ينظرون إلى أميركا باعتبارها تملي على العالم ما يفعله، بدلا من الاستماع إلى ما تريده شعوب العالم.

إن كوريا الجنوبية التي تعد تجربتها الديمقراطية حديثة إلى حد ما، ترغب في الإستفادة من الديمقراطية، وفي أن يكون صوتها مسموعاً، وأن تتمتع بحق تقرير مصيرها. وقد أدلى ما يزيد عن 70 في المائة من الكوريين بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، بعدما كان الملايين قد اشتركوا في الانتخابات الأولية التي دفعت بالرئيس المنتخب روه إلى مقدمة الأحداث.

ويبدو ان شباب كوريا الجنوبية ليسوا مدركين للدوافع التي تجعل الولايات المتحدة تتبنى موقفا متشددا من كوريا الشمالية. لكنهم يفهمون ان بلادهم باتت تمثل قوة إقتصادية وإن الولايات المتحدة لم تعد القوة الوحيدة التي لا بد من خشيتها. وهم لا يرغبون في الوجود العسكري الأميركي، وربما ذلك الوجود الذي يتسبب في احتلال مساحات واسعة من أراضي عاصمة دولتهم المزدحمة بالسكان.

على أميركا أن تستمع لرأي الكوريين الجنوبيين، وأن ترحب ببلدهم الذي بات يسعى للتخلص من ماضيه ويتطلع لشراكة حقيقية. وقد طرحنا مرارا إنه لا بد من إشراك كوريا الجنوبية في أية إجراءات متعلقة بكوريا الشمالية، لأننا، على أية حال، نتعامل مع مستقبل الشعب الكوري.

ويجب على الولايات المتحدة أن تستند على انتخاب الرئيس روه في اقتفائها لأثر كوريا الجنوبية، بحيث تستمع الى ما تود طرحه، ثم تبدأ مرة أخرى في الحديث مع كوريا الشمالية.

فبالحوار المباشر فقط مع الشمال يمكن للولايات المتحدة أن تساهم في تمكين كوريا الجنوبية والعالم من نزع فتيل أزمة نووية. وقد لا تكون واشنطن مستعدة للتفاوض، لكن كوريا الجنوبية طلبت أن تبدأ بالحديث مع شطرها الشمالي.

* مستشارة سابقة لوزير الخارجية الأميركي إبان رئاسة كلينتون، وشغلت منصب منسق شؤون كوريا الشمالية.

خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»