كيف وجد سانتا كلوز عالم اليوم؟

TT

إنه الصباح التالي ليوم عيد الميلاد. وها هو صاحب اللحية المنهك يجلس في غرفة مكتبه الذي تملأه خرائط العالم، والكائن في مكان ما بالقطب الشمالي. وفجأة ينهض سانتا كلوز، من مقعده الوثير وبيده كأس من مشروب الكاكاو الساخن، ثم يحدثنا بصوت بطيء منهك وحائر قائلا:

تسألونني عن حالة العالم كما شاهدته وأنا أتنقل بعربتي الجليدية الطائرة؟ حسنا، لقد أمضيت الليلة الماضية وأنا أتأمل الوضع. لقد حير رؤيتي للعالم هذا العام ضباب ما قبل الحرب إضافة إلى سحب تنذر بأزمة اقتصادية. لكن شيئا واحدا لفت انتباهى: الا وهو إن الثقافة ما تزال العامل الرئيسي في تحريك شؤون العالم، سواء اتجه للعولمة أم لا.

إذا نظرتم إلى نقاط هبوطي الأولى في اسيا، فقبل عشرين عاما مضت كان الجميع «قد أدركو» ان اليابان ستعيد تشكيل المنطقة وتهيمن عليها من خلال قوتها الاقتصادية. لكن ولاسباب ثقافية الى حد كبير، لم تعد اليابان قوة قادرة على التغيير في عالم اليوم، فاقتصادها بحد ذاته يعاني من أزمة. وسيتطلب حشد اليابانيين من أجل التغلب على نظامهم المالي المنهك، اتخاذ قرارات مؤلمة قد تتسبب في أزمة مالية مثيرة للغضب. ويبدو انهم يجتهدون بهذا الخصوص، أعني انهم في طريقهم الى الأزمة التي ستسبق التعافي.

وهكذا فان اسيا ما زالت مساحة جغرافية مستديمة بدلا من كونها كيانا سياسيا ذا معنى. فبعدما كان هنري كيسنجر قد توقع أن تصبح آسيا ملتصقة بأوروبا، تبين له مؤخرا ان الأخيرة ليست مستعدة بعد.

اما اذا تحدثنا عن عملاق كوريا فلماذا لم نتمكن من اكتشاف قنواته البشعة السرية عندما أردنا ذلك؟ يمكنني أن أرى ان الكوريتين تمكنتا من توريط البيت الأبيض. مشكلة سيول تبدو مرتبطة بثقافة الخوف من الأجانب واحتقارهم، والتي عفًى عليها الزمن. أما بيونغ يانغ فتعاني بالاضافة الى ذلك من ثقافة الابتزاز التي فرضها النظام الشيوعي.

وفي المانيا التي شهدت مؤخرا انتخابات الماضي حظي مرشح، أبدى استعداده لتحدي عزيمة العم سام، بدعم الناخبين الذين استضافوا القوات والقواعد الأميركية لما يزيد عن نصف قرن من الزمن.

مع العلم ان النجاح الذي حققه رئيس كوريا الجنوبية المنتخب سببه الى حد ما امتناع واشنطن عن السماح لمحكمة محلية بالنظر في قضية جنديين اميركيين اتهما بقتل فتاتين كوريتين في حادث سير، أثناء أدائهما لواجبهما، حيث برأت محكمة عسكرية أميركية الرجلين.

يتوقف سانتا عن الحديث ليرتشف شيئا من الكاكاو ويتناول قطعة من حلوى الفاكهة، ثم يواصل: أعلم ان التقنيات المستخدمة في الانتخابات اضافة الى قضايا الجغرافيا السياسية والقدرات الشخصية، كلها لعبت دورا في النصر الذي حققه المرشح الرئاسي الكوري.

لكن تلك جميعها لها علاقة بالثقافة، كما يتوجب على المرء قوله. فالنظام الحاكم في كوريا الشمالية يعي ان هذا هو أوان اثارة الوضع في الجنوب. فالشعور بالقلق، ليس من الأميركيين ربما، بل من عسكرة نواح عديدة من علاقات الولايات المتحدة بكوريا الجنوبية ـ له جذور عميقة. وتلك مسألة تدور في أرض تعرف تاريخيا بـ«مملكة السحر»، حيث يسعى الشمال للاستفاده من ذلك وهو يمارس ابتزازه النووي. كما انه يسعى لارغام العم سام على قول المزيد أمام العالم بتوسيع مدى العلاقات الدبلوماسية معه.

ويبدو ان الرئيس بوش يقاوم ضغوط اجراء محادثات رسمية مع نظام الحكم في كوريا الشمالية لأسباب قد يدركها الجميع. لكن المأزق الذي يواجهه بجعل البعض يتشوقون لاسلوب الحوار المتبع خلال عهد نيكسون. ومع ذلك فلدى أميركا الآن رئيس يفهم الكذب والغش والمهووسين غير المستقرين. واجراء اتصالات غير معلنة مع رئيس كوريا الجنوبية المنتخب ـ من أجل منعه من تبني موقف معلن، تماما كما فعل بوش مع كيم كاي جونغ قبل عامين من الزمن ـ قد يؤتي ثماره.

ماذا عن روسيا؟ هناك عملية تحول غير متوازية. فروسيا من حيث الوعي تعد جزءا من الغرب، لكنها ليست كذلك ثقافيا. وفلاديمير بوتين يمثل تعبيرا خالصا عن تلك الاستمرارية. انه يتعامل مع بوش ومع الأوروبيين بشكل واع من أجل تعزيز الاقتصاد، لكنه القيصر عندما يتعلق الأمر بالشيشان.

لقد حلقت في أجواء منطقة الشرق الأوسط. ويا لهول ما رأيته فيما يتعلق بالثقافة التي لم تعد قادرة على الابداع والتواصل مع العالم الحديث اعتمادا على ذاتها، بل أصبحت تنجب جيلا من الناس الذين يستخدمون المخترعات الحديثة ويدمرونها من أجل قتل الآخرين وأنفسهم، ثم يضحكون؟ انعدام التوازن الثقافي هناك قد يزعزع كل شيء.

أما أفريقيا فوضعها مختلف. انها تعاني من الأمراض والفقر. لكن تنتشر في أوساط أبنائها حالة من الابداع والشعور بالآدمية المشتركة، وبالاختلاط بالعالم، بطريقة لم ألمسها في أي مكان آخر.

وبالنسبة لأوروبا فقد أمكنني رؤيتها وهي تتأقلم بشكل غير متواز مع النجاح الذي حققته كنقطة جذب لا كمنارة للمناطق الفقيرة في أنحائها.

لقد طلب مني توني بلير أن أبحث له عن معارضة جديدة داخل المملكة المتحدة. فقد اختفى المحافظون وباتت الصحف الشعبية تحاول ملء الفراغ باسلوب مزعج ومؤذ.

أما أميركا، فماذا يمكنني القول عنها؟ مع كل العطايا التي منحتها، ها هم كتاب الأعمدة الصحافية والسياسيون والأكاديميون يواصلون التذمر. امنحهم الدفء وأدع لهم بنوم هادئ.

بعد كل هذا حاول سانتا العبوس لكنه لا يستطيع ذلك. وبدلا من ذلك أطلق العنان لقهقهته الشهيرة وودعنا على أمل اللقاء بعد عام من الزمن.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»