الديمقراطية والأعياد

TT

يذهب الذهن الى ان ما اقصده هو اعياد الديمقراطية، كلا ليس هذا ما اقصده. ما افكر فيه هو ديمقراطية الاعياد.

لا يستطيع المغترب دون ان ينغمر بتقاليد الاعياد الغربية في موطنه الجديد، لا سيما ما ارتبط منها بالطقوس الدينية. شهدت الكثير منها على التلفزيون وحضرت بعضها في كنائسها ومعابدها. كانت تمر امامي عاما بعد عام دون ان يلفت نظري فيها شيء جديد. ولكن الانشغال بفكرة الديمقراطية، لا سيما في طموح العراقيين الى اعادة سيرتها والأخذ بها في بلادهم، جعلني التفت الى عنصر مهم في احتفالات الغربيين الدينية وعباداتهم.

كثيرا ما رددت في كلامي فكرة شمولية الديمقراطية. انها مثل الدم يجري في كل انحاء الجسم وله حضوره في كل فعاليات الجسم وحيث لا يصل الدم الى عضو يموت ذلك العضو ويعجز عن اداء وظيفته.

ضحك عليّ الزميل محمد الظاهر رئيس اتحاد الديمقراطيين العراقيين، عندما كتبت عن الديمقراطية وكرة القدم. والآن سأزيده ضحكا بالكلام عن ديمقراطية الكرسمس.

المعتاد في معظم جهات العالم ان تجري العبادات واحتفالات الاعياد الدينية في المعابد عن طريق الكاهن. هو الاول والآخر. يدعو الحاضرين ويقودهم في الصلاة ويلقي الوعظ ويختار الموضوع ويتلو التراتيل ويختم بالدعاء. كله بنفسه وليس للحاضرين غير ان ينصتوا له ويتبعوه.

في العالم الانغلوسكسوني، الذي يقود العالم في اتباع الصيغة الديمقراطية نجد العكس تماما. دور الكاهن محدود جدا. جمهور الحاضرين هم الذين ينشدون التراتيل واناشيد الكرسمس. والتلاوات من الانجيل والتوراة يقرأها اشخاص من الحاضرين، ربما يختارها لهم الكاهن، ولكن في بعض الاحيان يختارها الجمهور. وكذا خطبة الوعظ. اتذكر يوما ان كُلف أحد التجار بالقاء الوعظ، وتعلق الموضوع بآثام الخيانة الزوجية. وصادف ان كان التاجر غارقا فيها وكانت زوجته بين الحاضرين، فقلب الصفحة وراح يقلب في الكتاب حتى عثر على وعظ يتعلق بأمانة التجارة والكسب الحلال فقرأه. لم يعترض القس عليه ولا فرض عليه قراءة ما اختاره له.

وفي كثير من الاحيان يقرأ الوعظ والتلاوات الانجيلية اطفال من المدرسة المحلية. وبالطبع يتناوب على القراءة رجال ونساء.

قلما يسمع الحاضرون انشادا منفردا في الكنيسة. المعتاد ان تقوم به جوقة من الاطفال والنساء والرجال تعبر عن الروح الجماعية المتضامنة للمجتمع، كما ان ألحان التراتيل والاناشيد تتجاوب مع آخر الموضات والتطورات الجارية في عالم الغناء والموسيقى وما احبه الجمهور منها، بما في ذلك موسيقى الجاز والروك والبوب. في آخر العبادة فقط يرتقي القس المنصة ليلقي الدعاء التقليدي، فقد هجر الكهان الآن على الغالب، المنبر واعتبروه تسلطا وتميزا على الجمهور.

العيب الكلاسيكي في الكنيسة الغربية طبعا هو التمييز العنصري والطبقي بين الحاضرين، حيث خصصت المقاعد حسب مكانة الشخص ولونه وعنصره.

وهو تقليد آخذ بالاختفاء الآن.