النزاعات الدولية ومنطق واشنطن

TT

التصريحات الاخيرة للمسؤولين الاميركيين ولا سيما الرئيس بوش بشأن القضايا الدولية الرئيسية المتعلقة بالحرب والسلام خلال السنة الجارية تحمل في طياتها اشارات يغلب عليها طابع الالتباس حتى لا نقول التناقض.

فبينما يتحدث الرئيس الاميركي اخيرا على انه مصمم على تجنب المزيد من النزاعات قائلا ان ادارته «ستواصل المضي بالعالم نحو مزيد من السلام وتأمل في حل جميع المشاكل التي تواجهها بطريقة سلمية» وان هذا «التزام قطعته على نفسي»، نشاهد الحشود الاميركية والبريطانية في منطقة الخليج وما يصاحبها من تصريحات نارية من قبل الرئيس بوش كقوله ان «ساعة الحقيقة اقتربت بالنسبة للعراق..!!» ألا يشكل ذلك التباسا وتناقضا في تصريحات الرئيس الاميركي؟

هذا على الصعيد العراقي، اما على الصعيد الكوري فيتابع الرئيس الاميركي طرحه «.. ان المشكلة مع كوريا الشمالية دبلوماسية اكثر منها عسكرية..» رغم ان تصريحات مسؤولي كوريا الشمالية فيها تهديد صريح للسلام في منطقة شمال شرقي اسيا وللولايات المتحدة نفسها عندما هددت بيونغ يانغ بـ«عقاب لا تهاون فيه» للولايات المتحدة قد يؤدي الى إحداث «كارثة لا يمكن السيطرة عليها».

فقد سبق للرئيس الاميركي ان سخر من سياسة الوفاق والتواصل بين الكوريتين التي روج لها زعيم كوريا الجنوبية لكنه وبعد تفجر الموقف والتهديد بأزمة نووية خطيرة، يقول باسلوب خجول ان العمل الدبلوماسي وليس العسكري هو الاسلوب الوحيد للتخاطب مع كوريا الشمالية، رغم ان هناك تصريحات وكتابات من شخصيات اميركية لها وزنها السياسي من خلال مواقع رفيعة شغلتها في الادارة الاميركية السابقة مثل وارن كريستوفر وزير الخارجية الاميركي السابق الذي ذكر في مقال نشرته «الشرق الأوسط» اخيرا انه لا بد من تأجيل المسألة العراقية لان تهديدات الارهاب الدولي وكوريا الشمالية اخطر بكثير من تلك التي يمثلها العراق.

اما بالنسبة للقضية الفلسطينية، وهي من القضايا التي تمس عمق الضمير العالمي وتهدد حقيقة السلام والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط فقد تراجعت ادارة بوش عن مواقفها السابقة ولم تفعل شيئا لتثبت لشعوب المنطقة وللعالم نيتها في استتباب الامن، حتى ان «خريطة الطريق» وهي مشروع اميركي للسلام في المنطقة يطالب رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون بادخال تعديلات عليه. باختصار اصبحت القضية الفلسطينية لدى الادارة الاميركية شبه مجمدة.

وعودة الى موضوع العراق، فان على الرئيس الاميركي ان يجري قبل اصدار امر الهجوم على العراق مسحا شاملا حول ما اذا كانت الحرب على العراق وفي هذا الوقت العصيب الذي يتهدده اكثر من خطر تمثل الاولوية السليمة بالنسبة للعالم بصفة عامة والولايات المتحدة بصفة خاصة، لا سيما ان واشنطن فشلت في اقناع الرأي العام العالمي بان العراق يمثل تهديدا عسكريا خطيرا لجيرانه وللولايات المتحدة، اذ انه حتى الان لم يتعرض برنامج التفتيش الدولي للعرقلة من قبل العراقيين ولم يعثر حتى الان على دليل يثبت بأن العراق يمتلك اسلحة الدمار الشامل كما توقع الشغوفون بالحروب والشامتون بالعراق وشعبه وحضارته.

باختصار، واذا ما كان الرئيس الاميركي يرغب في اظهار نفسه على انه زعيم شجاع وحاسم فان عليه ان يدعم ما تفعله الامم المتحدة وما ينادي به جيران العراق الاقربون والابعدون وان يلغي قرار الحرب على العراق ويعطي اهمية اكثر لحل النزاع العربي ـ الاسرائيلي والنزاعات الاخرى التي تهدد السلام العالمي.