واشنطن استخلصت درسا خاطئا

TT

مارس أطفال المدارس في سنوات الخمسينات من القرن الماضي الغوص تحت المناضد في حالة شروع السوفيات بهجوم نووي. اما في الوقت الحالي، فيطلب من الآباء في بعض المدارس الموافقة على اعطاء ابنائهم يوديد البوتاسيوم في حالات الطوارئ النووية. فكيف وصلت الولايات المتحدة، بعد فترة طويلة من نهاية الحرب الباردة واعادة توجيه صواريخ روسيا، الى مثل هذا المأزق؟

الجواب الموجز هو الحادي عشر من سبتمبر. غير ان درسين على الأقل ربما أمكن استخلاصهما من تلك الامكانية الواضحة للتعرض الى هجوم، والتي تجلت في ذلك اليوم.

الدرس الأول هو اننا في حرب وعلينا خوض القتال. وقد أكد الرئيس بوش هذا الأمر على نحو فعال في خطابه عن «مرتكبي الشر»، ووعده بملاحقة الارهابيين واحدا بعد الآخر مهما استغرق ذلك من وقت، وعبر اقامة وكالة حكومية جديدة للأمن الداخلي.

أما الدرس الثاني فيطرح السؤال: «لماذا الكراهية؟». ومثل هذا السؤال يصعب كلما اقتربنا من الحادي عشر من سبتمبر، وفي زمن الحرب يعرض نزعة المرء الوطنية للهجوم.

غير ان طرح الاسئلة غير الشائعة، هو السمة التي تميز الزعماء الحقيقيين. فتوصيفه «شخصيات في موقف شجاع»، يذكرنا ببعض هذه الشخصيات في تاريخ بلادنا: فقد اختلف توماس جيفرسون مع جورج واشنطن حول السياسة الخارجية، وخاطر هنري كلاي بالهزيمة عبر سعيه الى التسويات بشأن العبودية، وكان سام هوستين وحده بين اعضاء مجلس الشيوخ الجنوبيين من عارض تنازلات كانساس ـ نبراسكا للجنوب، وابراهام لنكولن الأول بين أنداد في البانتيون الأميركي.

فما هي أسباب الارهاب والكراهية المعادية لأميركا؟ ما لم يجر طرح هذا السؤال، وكان غائبا عن عموم المناقشات الحالية، كيف يمكن صياغة ردود أفعال بارعة ونزيهة وفعالة؟

واذا ما ركزت اللجنة التي تحقق في الأحداث التي أدت الى الحادي عشر من سبتمبر بشكل رئيسي، على الاخفاقات في المعلومات الاستخباراتية، وليس على الاخفاقات في السياسة، فإن ذلك سيكون اخفاقا أيضا. وهذا ليس هو الموضع الذي نستكشف فيه اجابات محددة.

ولا ريب في ان المؤرخين وصناع السياسة سيختلفون بشأن المسؤولية التي تتحملها الولايات المتحدة عن الظروف التي أنتجت العنف في العالم. فالبعض يقول اننا لا نتحمل المسؤولية على الاطلاق، بينما يشير آخرون الى أننا جلبنا ذلك على أنفسنا. وبين الاثنين يعتبر الانكار أكثر خطرا ذلك انه يحجب قضايا المسؤولية، ويعزز الرأي الداخلي الشائع في ان الولايات المتحدة هي قوة فقط من أجل الخير في العالم، وهي المدافعة عن الحرية والديمقراطية، وهي أفضل بلد على الأرض وربما في التاريخ.

وهذه المعتقدات هي المواد التي تخلق منها حمى الحرب وليس السياسة الفعالة.

لقد استخلصت الولايات المتحدة الدرس الخاطئ من احداث الحادي عشر من سبتمبر. فبدلا من التأكيد على ان الشعب الأميركي، قد لا يكون متحررا مرة أخرى من الهجمات، ما لم نقف الى جانب التغيير السلمي والعادل، فقد انعطف زعماؤنا نحو الحرب. وما الذي سيحدث اذا ما أدى هذا القرار الى آلاف جديدة من الضحايا في الولايات المتحدة، ومذبحة جديدة في المستقبل بقدر ما يمكن للمرء ان يرى؟ وبأي مستوى من الحكمة، بالتالي، ستبدو سياسة الحرب التي يتبعها الرئيس؟.

ان البحث عن حلول سلمية في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى أصعب من أن يجري استفزازنا ودفعنا الى الحرب على أيدي متعصبين يائسين، غير ان التاريخ يعلمنا بأن السؤال الذي لا يطرح هو الذي يؤدي، في الغالب، الى الكارثة. فأكثر من 58 ألف اسم على النصب التذكاري للحرب الفيتنامية في واشنطن تشهد على حكمة التروي قبل اختيار الحرب حلا.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»