سؤال أمريكا المعاد: لماذا يكرهنا المسلمون؟

TT

منذ احداث 11 سبتمبر والامريكيون يعيدون طرح السؤال التالي على انفسهم وعلينا: لماذا يكرهنا المسلمون؟ واجابة غالبية المسلمين على هذا السؤال هي ان الاسلام في اصله وطبيعته هو دين حضارة وانسانية ومحبة وتسامح. ولهذا فإن مظاهر الكره التي توجد في المجتمعات الاسلامية تجاه امريكا، واعمال العنف او الارهاب الناتجة عنها، لا تعكس كرها دينيا لامريكا ولكنها تعبر عن استياء وغضب سياسي. ودليل ذلك هو ان كثيرا من القوميين والماركسيين والعلمانيين العرب يشاركون الاسلاميين في كرههم لامريكا. ولكن بعض الامريكيين المعنيين باجابة السؤال المطروح يعتقدون ان المسلمين يكرهون امريكا، لانها جزء من الغرب المسيحي الذي تعود المسلمون، لاسباب تاريخية ودينية، على كرهه وسبه وانتقاده منذ طفولتهم. وبالمقابل فإن بعض اساتذة الدراسات الاسلامية الامريكيين، الذين يحبون الاسلام ويعرفون انه دين محبة وتسامح وليس دين عنف وارهاب، يقولون في توضيحهم لحالة العنف الاسلامي الحالية بأن الحركات الاسلامية المتطرفة قد نجحت في اختطاف الاسلام. وحقيقة الامر ان الاسلام واضح ولا يمكن اختطافه من قبل احد، ولكن يمكن فهم السبب الذي دفعهم الى استخدام عبارة الاختطاف. فهم يخاطبون المجتمعات الغربية وليس المجتمعات الاسلامية. وغير المسلمين لا يحكمون على الاسلام من خلال نصوصه واحكامه الشرعية، ولكنهم يحكمون عليه من خلال سلوك المسلمين وافعالهم، التي اصبحت تتضمن الكثير من اعمال العنف والارهاب. والغرب يعلم تمام العلم ان الجماهير الاسلامية تؤيد بل وتدعم الحركات الاسلامية المتطرفة. ولقد اصبحت المجتمعات الاسلامية مليئة بحركات جماهيرية تعادي الغرب وتطالب بمحاربته. ومن بين امثلة العداء المهمة التي برزت مؤخرا في المجتمعات الاسلامية حالة كره بعض الكويتيين لامريكا، والتي اثارت العديد من التساؤلات، واكدت انطباع غالبية الامريكيين بأن المجتمعات العربية والاسلامية، وبصرف النظر عما تقدمه واشنطن لها، سوف تبقى كارهة لامريكا ومعادية لها.

فعلى الرغم من الدور الامريكي في تحرير الكويت وحمايتها من صدام فإن التيارات الاسلامية المعادية لامريكا تنمو باطراد في الكويت. صحيح ان عمليات الاعتداء على القوات الامريكية في الكويت كانت محدودة جدا، ولكن استطلاع الرأي الذي اجرته احدى الصحف الكويتية، قبل عدة اشهر، والذي اظهر وجود نسبة كبيرة من الكويتيين المتعاطفين مع بن لادن، كان امرا مستغربا من قبل الامريكيين. ولقد حاول بعض الاسلاميين الكويتيين ربط تلك النتيجة بالسياسة الامريكية في الشرق الاوسط وبالدعم الامريكي المطلق لاسرائيل، ولكن هذا التبرير من وجهة نظر امريكيين كثيرين هو امر غريب، فعندما احتل صدام الكويت عام 1990، كما ذكر استاذ جامعي امريكي، اضطهد الكويتيين اكثر من اضطهاد اسرائيل الحالي للفلسطينيين. وبينما كان الفلسطينيون يقدمون لصدام مختلف انواع الدعم التي يمكن ان تساعده في احكام قبضته على الكويت، قادت القوات الامريكية حرب التحالف الدولي لتحرير الكويت، وعملت منذ ذلك الوقت على حماية الكويتيين من العراق.

فكيف يمكن لبعض الاسلاميين في الكويت ان يتعاطفوا الآن مع بن لادن عدو الشعب الامريكي الاول الذي عمل على قتل حوالي ثلاثة آلاف شخص من الامريكيين المدنيين الابرياء في صباح يوم واحد؟ وليس الاسلاميون الكويتيون وحدهم هم الذين يعزون تنامي كرههم وعداوتهم لامريكا الى سياسة دعم واشنطن المطلق لاسرائيل. فالمثقفون العرب كلهم يفعلون الشيء نفسه، ويربطون كره الجماهير العربية والاسلامية لامريكا بسياسة دعم واشنطن لاسرائيل، ولكن غالبية المحللين السياسيين الامريكيين يرون ان الخطاب السياسي الاسلامي المتطرف هو خطاب معاد لامريكا بسبب اعتبارات آيديولوجية ودينية اولا، ثم لاعتبارات تتعلق بالسياسة الامريكية في الشرق الاوسط ثانيا، فالاسلاميون كما تراهم امريكا هم دعاة عنف وتطرف. ولقد سبق لهم معارضة عملية، بل وفكرة السلام منذ بدايتها، وساهموا في احباط مسيرتها. وكان موقفهم في ذلك الامر مشابهاً لموقف المتطرفين اليهود الذين رفضوا بدورهم عملية السلام وحاربوها.

ولقد تبنى الخطاب السياسي الاسلامي فكرة معاداة الغرب المسيحي منذ سنوات تطوره الاولى على يد الاخوان المسلمين. ولكن حركة الاخوان المسلمين في مصر والشام دخلت في مواجهة مصيرية مع التيار الثوري القومي العربي.

وفي اعقاب فشل الخطاب القومي العربي والنجاح الباهر للثورة الاسلامية في ايران، بدأ الخطاب السياسي الاسلامي ينمو بشكل قوي في الدول العربية والاسلامية. وكان يمكن لذلك الخطاب ان يرفع مباشرة شعار معاداة ومواجهة الغرب، ولكن الجهاد في افغانستان وتعاون المجاهدين مع واشنطن عمل على تأخير ظهور العداوة بين الطرفين بعض الوقت. فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وسقوط الشيوعية، بدأ وصف الخميني لامريكا بالشيطان الاكبر يجد قبولا متزايدا بين الجماهير العربية والاسلامية المعادية لامريكا. وبدأ الخطاب السياسي الاسلامي العربي وغير العربي، السلفي والصوفي، السني والشيعي، الاصولي والاجتهادي، الحزبي وغير الحزبي، التقدمي والتقليدي، المؤسسي والجماهيري، يتجه بصفة عامة نحو المزيد من معاداة الغرب وشتم وانتقاد عاداته الاجتماعية وقيمه الثقافية. وتطورت العديد من الحركات السياسية الاسلامية واتجهت نحو التطرف والعنف، واصبح الاطباء والمهندسون مفتين وزعماء سياسيين. ووجدت هذه الحركات نفسها محاطة بصحوة اسلامية واسعة فتأثرت بها واثرت عليها. وتمكنت الحركات الاسلامية المتطرفة في نهاية الامر من اختطاف الصحوة وابعادها عن مسارها الديني الصحيح، وقدمت للجماهير الاسلامية شعارات حماسية براقة وحصلت على دعمها وتأييدها.

ولقد اثبتت احداث 11 سبتمبر ـ من المنظور الامريكي ـ انه لا يمكن الاستهانة بخطر الحركات الاسلامية المتطرفة. وعلى الرغم من ان واشنطن اصبحت تدرك ان سياسة دعمها المطلق لاسرائيل لا يمكن ان تستمر، الا ان تركيزها الرئيسي ينصب الآن على محاربة الارهاب واحتواء التطرف في العالم الاسلامي، فهو امر يعنيها ويمس امنها الوطني مباشرة واذا كانت امريكا تعترف بصعوبة حربها ضد الحركات الارهابية فإن مهمة تصديها لخطاب التطرف الاسلامي الذي يستقطب شباب المسلمين، ستكون اكثر صعوبة بكثير من ملاحقة زعماء القاعدة. ولن تتم عملية احتواء الخطاب الاسلامي المتطرف إلا من خلال خطاب اسلامي مستنير، خطاب لن يكون بمقدور امريكا ان تقدمه او تصوغه، خطاب ينبغي له ان يصدر عن المسلمين انفسهم، عن علمائهم ومفتيهم العاقلين، خطاب يهدف الى انقاذ الصحوة الاسلامية من ايدي الخاطفين المتطرفين الذين اضروا بالمجتمعات الاسلامية نفسها قبل ان يصل خطرهم وضررهم الى المجتمعات الغربية.