الرنتيسي وكلامه العراقي!

TT

لو ان أحداً ما كان قد قاطع السيد عبد العزيز الرنتيسي، القيادي في حركة حماس، وهو يلقي كلمة في مظاهرة في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين (غزة) يوم الجمعة الماضي وطالبه بما تطالب به السلطة الفلسطينية والكثير من الفلسطينيين: وقف العمليات الانتحارية، فاغلب الظن ان السيد الرنتيسي كان سيرمي هذا المقاطع المفترض بتهمة الكفر والخيانة.

والحمد لله ان المقاطعة المفترضة لكلمة السيد الرنتيسي لم تحدث، لكن قيادي حركة حماس ارتكب في كلمته ما يشبه الكفر في حق الشعب الذي يفترض ان مظاهرة مخيم جباليا وكلمة السيد الرنتيسي فيها كانتا للتضامن معه ضد الحرب الجديدة التي يوشك ان يتعرض لها. فالسيد الرنتيسي دعا العراقيين الى «تجهيز عشرات الالاف من الاستشهاديين والاحزمة الناسفة وتفجير انفسهم في الطغاة الاميركيين».

بالطبع ما من أحد من العراقيين سيلبي دعوة السيد الرنتيسي هذه، فالعراقيون باجمعهم يدركون ان الحرب الجديدة ـ كما الحروب السابقة التي طحنتهم ـ ليست حربهم، بل هي حرب صدام ـ اميركا، وليس لهم فيها من دور أو حصة غير دور الضحايا وحصتهم، سواء انتصرت فيها اميركا أو كسبها صدام.. العراقيون شبعوا تماماً من الحروب وليس لديهم فائض من الارواح ليقدموه قرباناً لا لصدام ولا لأميركا.

في اواخر العام 1990، قبل اسابيع قليلة من بدء حرب الخليج الثانية (حرب صدام ـ اميركا ايضاً) ظهر في بغداد فجأة زعيم فلسطيني (يساري) لم يكن متوقعا وصوله الى العاصمة العراقية والاجتماع بصدام حسين، فقد كان ممنوعاً عليه دخول العراق بسبب خطبه وتصريحاته النارية ضد صدام وسياساته التي كان هذا الزعيم حتى 2 اغسطس (آب) 1990 يصفها بانها «ألحقت افدح الاضرار بقضايا الامة العربية وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية».. يومها توقعنا ـ أو تمنينا ـ ان يقدم هذا الزعيم لصدام حسين الدعوة الوحيدة الصحيحة والنصحية الوحيدة النافعة والمطلوبة وقتها: الانسحاب الفوري من الكويت وتجنيب العراق كارثة كبرى جديدة. لكن الزعيم الفلسطيني اختار موقفاً نقيضاً، مشجعاً صدام على مواصلة العناد والمكابرة وواعداً اياه بأن جبهته وسائر «الثوريين العرب» سيشعلون النيران تحت اقدام الاميركيين. وعندما وقعت الكارثة لم تشعل جبهة الزعيم الفلسطيني ولا أي ثوري عربي آخر عود ثقاب واحدا تحت قدم اميركي واحد، فيما غرق العراق وشعبه في لجة مأساة رهيبة لا نظير لها الا مأساة الشعب الفلسطيني.

بعد 12 عاما يعيد السيد الرنتيسي انتاج موقف الزعيم الفلسطيني المتقاعد. فهو ايضا يشجع صدام حسين على العناد والمكابرة. وكان السيد الرنتيسي سيفعل خيراً لوجه الله وللشعب العراقي.. وللشعب الفلسطيني ايضا، لو انه دعا صدام حسين الى التنحي عن السلطة التي اغتصبها اغتصاباً على مدى 35 عاما، وترك الشعب العراقي يدير شؤونه وشؤون بلاده بنفسه قبل ان تنشب الحرب وتحل كارثة جديدة ينجم عنها، فضلاً عن الضحايا والدمار، وضع مقدرات العراق تحت السيادة الاميركية.

واذا كان السيد الرنتيسي غير قادر، لأي سبب، على توجيه دعوة بناءة كهذه وتقديم نصيحة مفيدة كهذه فالاكرم له والانفع لشعبه الفلسطيني ان يكرس اهتمامه بشؤون شعبه والتفكير في افضل السبل لانقاذ هذا الشعب من محنته الطويلة التي تماثلها تماماً محنة الشعب العراقي.

[email protected].