المغامرة الكبرى

TT

منذ الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، تبنى الغرب برنامج عمل جديداً. لم تختف منه روسيا والبلقان وغيرهما من القضايا الأخرى التقليدية، بل انها لم تعد تشكل تحديا كبيرا يواجه تماسك طرفي الأطلسي.

بات التحدي الاستراتيجي الجديد الذي يواجه الغرب، خلال العقد المقبل، يتمثل في كيفية تشكيل وضع أحر لعلاقته بكامل أنحاء منطقة الشرق الأوسط ـ الممتدة ما بين الأبيض المتوسط وشبه القارة الهندية. وهذا التحدي يتضمن قضايا الارهاب وانتاج أسلحة الدمار الشامل.

ومع تواصل الخلاف بين طرفي الأطلسي بشأن الحرب ضد العراق، لم يتسن للغرب بعد، وضع استراتيجية سياسية شاملة تتعلق بهذه المنطقة الهامة. وقد تكون هناك عناصر لشيء من هذا القبيل، لكن من الواضح اننا نفتقد للوضوح بشأن أولوياتنا وأهدافنا. فهل نرغب في نقل الديمقراطية لجميع أنحاء المنطقة، أم اننا نمضي قدما من أجل تحقيق أهداف محددة بشكل أفضل، كالوقاية من الأزمات أو دعم الرخاء والاستقرار في المنطقة ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل؟

يصر البعض على ان الاسراع في القضاء على صدام حسين، يجب أن يحتل المرتبة الأولى ضمن أولويات الغرب، لأن ذلك سوف يفتح آفاقا جديدة للتعامل مع غيرها من القضايا المختلفة، كالنزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، وايران وسورية والارهاب، وسيمكننا من اعادة تشكيل كامل المنطقة.

لكن آخرين، خاصة في أوروبا، ظلوا يصرون على عكس ذلك . فالاجراء العسكري ضد العراق، من وجهة نظرهم، قد يفهم على انه اهانة أخرى توجه للعالم العربي، وقد يؤدي بالتالي، الى انتشار المزيد من التعصب والارهاب. وفي ظل غياب عملية تفاوض مجدية بين اسرائيل والفلسطينيين، لن يجد كل من الطرفين حافزا قويا للامتناع عن تصعيد الأوضاع، في الوقت الذي ما زلنا نشهد فيه التصعيد العسكري الذي تسبب فيه العراق، وبالتالي فاننا نغامر باتساع خطر الحرب في المنطقة وما بعدها.

وبينما لا يخفي البعض شكهم في امكانية تحقيق النصر في الحرب ضد العراق، يشعر العديد من الأوروبيين بقلق عميق من احتمال أن نخسر المعركة التي نخوضها على جبهتين: الأولى، ضد الارهاب، والثانية تتعلق بمحاولاتنا استقطاب قلوب وعقول مئات الملايين من العرب والمسلمين. وهذا هو السبب الذي جعل العديد في أوروبا يواصلون معارضتهم للحرب ضد العراق في هذا الوقت.

وهنا قد يسأل البعض: ما الذي يمكن أن يشكل بعض العناصر المحددة المكونة لاستراتيجية غربية أكثر شمولا تجاه منطقة الشرق الأوسط؟

أولا: في ما يتعلق بالنزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، لا بد من تأكيد التزام طرفي الأطلسي لا بمشروع «خارطة الطريق» فقط، بل بتحويله الى واقع ملموس. بحيث يتم التأكيد مجددا على الأهمية القصوى للتسوية في منطقةالشرق الأوسط باعتبارها من أولوياتنا.

ثانيا: لا بد من تواصل التزامنا بمكافحة الارهاب وتهيئة الظروف الملائمة لتحقيق الاستقرار والرخاء في أفغانستان.

ثالثا: لا بد من وضع استراتيجية غربية محكمة بشأن ايران. فعدم اتفاق طرفي الأطلسي بهذا الخصوص لم يسهل مهمة أولئك الايرانيين الذين ظلوا يسعون لتبني الاصلاح، كما قلل من أهمية تأثير مساعي الغرب بشأن قضايا الحد من التسلح وحقوق الانسان ودعم التحولات في المجتمع الايراني.

رابعا: لا بد من تعزيز استراتيجية الغرب المتعلقة بالحد من التسلح. فالمساعي المبذولة في ما مضى بهذا الخصوص، لم تؤت ثمارها في منطقة الشرق الأوسط. فالعراق ليس وحده المشكلة، ولم تتجه الهند وباكستان فقط نحو القوة النووية، بل ان هناك عددا آخر من الدول المهتمة بتطوير أسلحة الدمار الشامل وامتلاكها.

وأخيرا، على الغرب أن يشجع على، ويتقدم باتجاه حوار مركز مع دول المنطقة للوقاية من «صراع الحضارات». ويمكننا الاستفادة من تجربة مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، الذي أتاح لنا مناقشة قضايا الأمن والاقتصاد وحقوق الانسان، بحيث نسعى للتقريب بين وجهات نظر أوروبا والولايات المتحدة وروسيا ودول منطقة الشرق الأوسط.

يتوجب على الغرب أن يحدد أولوياته. ونحن بحاجة الى توضيح ما اذا كنا، كما يطرح البعض في واشنطن، ننوي المضي قدما باتجاه «مشروع ويلسون لاعادة تشكيل كامل منطقة الشرق الأوسط» (الذي تناوله المؤرخ تيموثي غارتون آش)، أو ان الغرب سيتسنى له الحفاظ على استقرار أوضاعه، كما يشك العديد من المراقبين في أوروبا.

يمكن في أفضل الأحوال تجنب الخلاف بين طرفي الاطلسي اذا ما استندنا الى رؤية مشتركة. واذا لم نبدأ العمل الجاد من أجل تحديد استراتيجية متماسكة طويلة المدى تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، فقد يتعرض الغرب لمشكلة، كما قد يحدث الشيء نفسه لكامل أنحاء المنطقة.

* سفير المانيا لدى لولايات المتحدة ـ

خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»