إشاعة وموت

TT

إشاعة تطايرت في المنطقة العربية الأسبوع الماضي مفادها أن فنان العرب محمد عبده قد توفي، وتضاربت الأنباء حول سبب الوفاة، فمن قائل بأنها نوبة قلبية، إلى آخر أكد أن وفاة الفنان الكبير سببها حادث مروري مروّع، بل أكد ثالث بأنه شاهد السيارة بنفسه وحلف على صدق قوله بأغلظ الأيمان. طبعا ثبت بأن الاشاعة لا أساس لها من الصحة، وأن الفنان محمد عبده بخير وبصحة جيدة ولله الحمد.

والواقع أن إشاعات موت المشاهير ظاهرة تستحق التوقف عندها، ريتشارد براير الفنان الأمريكي الفكاهي الشهير سمع نبأ وفاته عبر المذياع وهو يقود السيارة، وكان المذيع يقرأ بصوت متهدج: «انتقل إلى رحمة الله تعالى الفنان ريتشارد براير إثر تعاطيه جرعة زائدة من المخدرات».

ولعلنا نتذكر الأخبار والاشاعات التي سرت حول موت الفنان الراحل فريد شوقي، صحيح أن شوقي لم يعمر طويلا بعد تلك الإشاعة، ولكن الخبر كان وقعه النفسي سيئا عليه وعلى أقاربه ومحبيه، البعض يقول بأن خصوم الفن وراء ترويج مثل تلك الاشاعات.

إلا أن الخصوم السياسيين قد يكونون وراء اشاعات موت الساسة، فكم من اشاعة سرت عن موت صدام حسين في العراق، ولكنه يخرج بعد كل اشاعة يقهقه ممسكا بسيجاره الكوبي ساخرا من أعدائه. ويحرص الدكتاتوريون دوما على إظهار أنهم أحياء وأقوياء، لا بل أن الموت غير قادر عليهم.

تذكرت هنا الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني في قصيدته الملحمية «وردة على درب المتنبي»، والتي يصرخ فيها ضجرا من استمرار الحال العربي على ما هو عليه، مستصرخا حتمية الزمان في التغيير وتبدل الأحوال، لا بل وصل به اليأس أن نادى على عزرائيل ليقبض أرواح بعض الزعامات العربية متسائلا:

هل يموت زعماء الطغى يا منايا

زعما كما يعيشون زعما

لعل أقسى أساليب نفي الموت والاشاعات تلك التي يحاول فيها الحي إثبات العكس، وتلك قصة شهيرة لفيلم تتحطم في أحداثه طائرة مليئة بالركاب، ويموت كل من فيها ميتة بشعة لم يعثر على جثث الضحايا بعدها، ولكن أحد الركاب الذي تأخر دقائق على إقلاع الطائرة بعد أن أعطى حقيبة يده التي تحمل أوراقه الثبوتية الى رفيقه في السفر، نجا بأعجوبة، وحاول جاهدا إثبات أنه لا يزال حياً يرزق، ولكن لم يكن لديه ما يثبت من هو، وقد تم تسجيله ضمن قائمة الضحايا على اعتبار أنه قد أخذ بطاقة مقعده وجلس فيه، وأن الطائرة قد أقلعت به وأنه قد انتقل إلى رحمة الله، وراح المسكين يجاهد في تلك الدولة ليثبت لهم أنه لا يزال على قيد الحياة.

الإشاعات بموت المشاهير ظاهرة قديمة، ولكني أستغرب انتشارها كالنار في الهشيم ـ مثلما اشاعة موت محمد عبده ـ في عالم التكنولوجيا وثورة الاتصالات، صحيح أن اشاعاتنا يتم نفيها بسرعة أكثر من السابق، ولكن المستغرب هو في سرعة انتشارها وكيفيته.

لكم، ولفنان العرب ـ محمد عبده ـ طول العمر وأسعده.