طغيان الكومبيوتر

TT

أشارت التقارير أمس إلى أن صناعة الكومبيوتر والبرمجيات والرقائق الإلكترونية تراجعت في وادي السيليكون في الولايات المتحدة بنسبة عشرة في المئة، ومع ذلك يؤكد المراقبون أن هذه الآلة ما زالت مستمرة في غزو مرافق حياتنا كافة لنصبح ملكاً خالصاً لها مسلمين لها مقدراتنا من دون كلمة اعتذار واحدة من قبلها. حتى الهوايات الخاصة والألعاب الرياضية القليلة التي نمارسها أصبحت ملكاً لها أيضاً بعدما استولت عليها تدريجياً.

فالمعروف مثلاً أن الأميركيين واليابانيين يعشقون رياضة الغولف، لكن صدق أو لا تصدق فقد وصل الكومبيوتر إلى هذه الأنواع من الرياضة الخارجية واستوعبها كلها، وربما يعود ذلك إلى تقدم هذه البلدان في صناعته مما جعله لا يترك قطاعاً إلا ودخله، أو ثقباً صغيراً إلا وحشر أنفه فيه. يكفي ان نطالع الملحق الأسبوعي لتقنية المعلومات في «الشرق الأوسط» لنجد ما لصناعة الألعاب الالكترونية والكومبيوترية من أهمية في يومنا هذا، بعدما تحولت إلى صناعة تدر المليارات من الدولارات.

فالآن تتوفر برامج لممارسة ألعاب كرة القدم والتزحلق على الجليد، كذلك الحياكة والنسيج، مع وضع التصاميم المختلفة لها، بل حتى ممارسة ألعاب الحزازير والسحر والخفة لم تنج من شر الكومبيوتر أيضاً. إذ ما عليك سوى تسمية الهواية التي تود ممارستها، أو تعلمها والاجادة فيها، حتى تفاجأ بأن العديد من البرامج والانظمة الخاصة بها موجودة تحت تصرفك.

وإذا لم ترغب في ابتياع مثل هذه البرامج فلا بأس، إذ أن هناك طرق المعلومات السريعة وشبكات المعلومات العالمية التي تتطوع بثمن أو بغير ثمن في توفيرها لك لتكون في تصرفك خلال دقائق، وإذا شئت كان هناك على الخط آخرون مستعدون لمشاركتك والدخول في مباراة حامية معك من دون ان تكلف نفسك عناء الخروج من المنزل والتوجه إلى الملعب.

ليس هذا فحسب، بل بإمكانك أيضاً اختيار نوع الملعب وطوله: منحدر قليلاً، أو منبسط، ونوع العشب، والمسافة التي تروق لك. وإذا كانت هناك خصائص معينة تتميز فيها ضرباتك وأسلوبك في اللعب، يمكنك أيضاً ادخالها في الكومبيوتر حتى تأتي اللعبة أقرب ما تكون للواقع والطبيعة. وما ينطبق على لعبة معينة ينطبق أيضاً على الألعاب الأخرى بالتمام والكمال.

المهم ان احصائيات حديثة ذكرت أخيراً ان عدد الأميركيين، على سبيل المثال، الذين كانوا يمارسون رياضاتهم وهواياتهم المفضلة في الهواء الطلق، بدأ يتناقص تدريجياً بعدما عثروا على ضالتهم وراء الجهاز القابع على مكتبهم، فقد اكتشفوا انهم يستمتعون في اللعبة بواسطته أكثر بكثير من ممارستها بشكل طبيعي.

وللدلالة على مقدار الأثر الذي تركه الكومبيوتر في حياتنا فإن الأميركيين، على سبيل المثال أيضا، يتندرون بقصة ذلك الطيار الذي توقف فجأة عن الطيران، وعندما استفسر البعض منهم عن الأسباب اكتشفوا انه حصل على بعض البرامج الالكترونية المتطورة التي تعلم هذا الفن بمختلف اشكاله. وكانت من المتعة والتطور بحيث أغنته عن التحليق الفعلي الذي وجد فيه مضيعة للوقت والمهارة ليس أكثر.

لكن لا بد من الاشارة هنا إلى ان مثل هذه الظاهرة التي تفشت بشدة في المجتمعات الغربية من شأنها ان تزيد أكثر فأكثر من عزلة الناس الذين يهوون الألعاب الكومبيوترية، وهذا ما لاحظه علماء الاجتماع قبل عشر سنوات، أو أكثر، فقد ذكرت دراسات حديثة ان بعض الآباء، وليس أولادهم فحسب، لا يصدقون ان يصلوا إلى منازلهم ويقفلون على أنفسهم الباب بعد عملهم اليومي الطويل حتى يشرعوا في مزاولة هذه الألعاب حتى ساعة متأخرة من الليل ليتحولوا في نهاية المطاف إلى افراد مجتمع غير اجتماعيين، وهي صفة تخالف إنسانية البشر.