بيت سيئ السمعة

TT

قطعا سمعتم حكاية الاميركي والعراقي اللذين كانا يتفاخران في حجم الحريات السياسية لكل بلد، فقال الاميركي: انا استطيع ان اقف في واشنطن واشتم الرئيس بوش دون ان يحصل لي ضرر، فقال العراقي: وأنا استطيع ان أقف في بغداد وأشتم بوش علنا دون اي خوف بل وأجد رجال المخابرات يصفقون لي ايضا.

ولم تعد شتائم بوش تأتي من بغداد وحدها على سبيل النكتة، والحقيقة فقد انضمت واشنطن الى الشتم المبطن لرئيسها، وهو هذه المرة من النوع الموثق لأن الذين يذيعونه في كتب ومحاضرات كانوا داخل البيت الابيض، ويعرفون عما يقصون ويسردون.

ديفيد فرام كاتب خطب الرئيس والرجل الذي وضع خطبتي «الحادي عشر من سبتمبر ـ ايلول» و«محور الشر» قرر ان يحكي، وهذه مسألة نادرة الحدوث بين متقاعدي البيت الابيض الذين يزعمون انهم ينسون كل شيء بمجرد خروجهم من عتبة ذلك البيت السيئ السمعة.

حكايات فرام عن أيامه في البيت الابيض في ظل رئاسة بوش الابن اصبحت بين دفتي كتاب اسمه: «The Right Man» وقد كتبه بمقاييس الدبلوماسي الذي يجيد الاسلوب العربي «الذم بصيغة المدح» فهو يعترف ان الرئيس شخصية تحبها كلما اقتربت منها، وما الجديد في ذلك يا ديفيد..؟ فحتى الذين اشتغلوا بالقرب من هتلر كانوا يحبونه، فالرئيس مصنوع شرقا وغربا كي تجبر الناس على حبه والا ما معنى هذه المليارات التي تصرف على ماكينة الاعلام الرسمية وشبه الرسمية، والحزبية.

الجديد في الكتاب ان كاتب خطب الرئيس يتحدث عن قضية ظلت في اطار الهمس غير المعلن وهي ان الرئيس عنده مشكلة مع امه وان علاقته بها معقدة للغاية، وهذا ما يتحكم بتصرفاته الى اليوم لانه ما يزال يبحث عن أم بديلة تؤنبه اذا أخطأ ويذهب اليها فرحا ليقص انجازاته وانتصاراته اذا اصاب.

وحسب ديفيد فرام، فإن المستشارة كارين هيوز كانت تقوم بهذا الدور، فهي الوحيدة التي كانت تؤنب الرئيس وتوبخه، لكن بتقاعدها ايضا كالمؤلف وخروجها من البيت الابيض الصيف الماضي خلقت مشكلة جديدة فليس عندهم حاليا موبخ رسمي للرئيس، والموبخ العائلي وهي وظيفة زوجة الرئيس السيدة لورا بوش لا يقوم بعمله كما يجب، والحقيقة ان مؤلف هذا الكتاب يطلق على لورا صفة جميلة فهي من وجهة نظره «antidote» وهو مصطلح يطلق على انواع الترياقات التي تلطف وقع السموم وهذه عويصة بحاجة الى صيدلي او صيدلانية لشرحها بالتفصيل العلمي فهي تستحق محاضرة وحدها.

وقبل ان تغني «يا صيدلي.. يا صيدلي بدي دوا الها وبدي دوا الي» حاول ان تساعد الرئيس في العثور على موبخ او موبخة محترمة، فحالته شائعة بين الرجال، وعلم النفس يدعم دعاوى كاتب الخطب المتقاعد في الاعتراف علميا بوجود عقدة نفسية من هذا النوع، فهناك رجال يكبرون ويكتهلون، وهم يبحثون دائما عمن يصفع أقفيتهم بالخيزران او يحبسهم في غرفة المؤنة مع الفئران إن اخطأوا او أذنبوا، ومعظم هؤلاء المحبوسين والمصفوعين يتحولون الى كائنات عدوانية.

وكي لا تظن ان هذه تهمة من وجهة النظر الاميركية نترك ديفيد فرام وكتابه، ونأخذك الى مقالة «جذور العنصرية الاميركية» لألبرت جوردون وبرنارد كرام، فهذان العالمان الفاضلان يعتقدان في دراسة تعود الى الاربعينات ان اربعة اخماس الشعب الاميركي ـ في اقل تقدير ـ يمارسون حياة ذهنية يلعب الشعور بالعداوة الجماعي فيها دورا فعالا ومركزيا لذا يطلق علماء النفس على هذا النوع من العداوة اسم «العدوان الطليق» وهو ينشأ عن القيود والكوابح العائلية الاولى.

وربما كانت هذه النسبة تفسر لك لماذا كان الاميركيون يحبون الرئيس العراقي قبل ان ينقلبوا عليه حين اصبح عندهم في البيت السيئ السمعة من هو اكثر عدوانية منه، فبوش على ضوء العقدة التي يكشف عنها كتاب «ديفيد فرام» الرجل المناسب في البيت المناسب للأمة المناسبة في المفترق التاريخي المناسب.

وان يظل عدوان الرجل المناسب بين اهله وعترته لا بأس أما ان يتوجه الى غيرهم، فهذه مسألة تجعل جميع الضحايا يجأرون: منك لله يا أم جورج على هذه المصيبة المركبة.