بانتظار كولن باول

TT

قبل خطاب الرئيس بوش عن حال الاتحاد، سادت أنحاء العالم مشاعر قلق من الحرب والشك في نية أميركا. وبعد خطابه ما زالت المشاعر تلك سائدة، لكن هناك أملاً في أن تخف حالة الشك على الأقل في القريب العاجل.

أرجو ألا يخطئ البعض فهم ما يود طرحه هذا الكاتب الذي ظل يؤيد مسعى الولايات المتحدة للضغط على الأمم المتحدة من أجل إصدار قرارات تدعو الرئيس العراقي صدام حسين للتخلي عن أسلحته، وظل يشعر بأن هذا الهدف سيتحقق، سلما أو بغير ذلك، فقط في حالة التهديد بشن حرب وشيكة. وهي مشاعر يبادلني إياها القلة من زملائي الأوروبيين (ومنهم بشكل مدهش قلة من البريطانيين).

فكلما رأوا بوش يتحدث بشكل غير جاد عن هذه المسألة ازدادت مخاوفهم وشكوكهم. لكنهم حين يرونه وهو يلقي خطابا هاما ورسميا (كما فعل أمام الأمم المتحدة خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، أو أمام الكونغرس مساء الثلاثاء الماضي)، شعروا بالاطمئنان.

هذه المرة لم تأت التطمينات من إيماءاته المقصودة، كوعده بتخصيص 15 مليار دولار لمكافحة فيروس نقص المناعة وداء الإيدز في أفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي، أو بتخصيص 2.1 مليار دولار للبحوث المتعلقة بانتاج عربات لا تلوث البيئة، بل جاءت من إعلانه بأن وزير الخارجية كولن باول سيكشف يوم الخامس من فبراير (شباط) الجاري عن الدليل الذي يؤكد إخفاء العراق لأسلحته بطريقة تخالف ما أقره مجلس الأمن.

كان طرحه باعثا على الاطمئنان لأنه أشار الى وجود بعض الأدلة. فالتوق لمعرفة الدليل يمثل نوعا من الهوس الذاتي السائد في أوساط الجميع، والذي يشير الى الاعتقاد بأن شيئا من زمن التسعينات لم يحدث، حيث لم يتم في ذلك الحين العثور على برامج للتسلح. كما انه يمثل أيضا طريقة تفكير ملتوية مفادها ان عبء العثور على دليل يتمثل في بوش لا في صدام حسين. ومع ذلك، فإن مثل هذا التفكير يعد واقعا يحتاج البيت الأبيض لمواجهته.

مثل هذا الدليل ليس مطلوبا استنادا إلى أرضية تقنية وأخلاقية أو قانونية، بل انه مطلوب لضمان تحالف واسع، يعد في المقابل أمرا مرغوبا إذا ما أردنا التقليل من مخاطر الحرب ـ وربما الوضع غير المستقر الذي سيعقبها. وانطلاقا من هذه الرؤية الواعية التي تتبناها لندن، تبدو حملة المعارضة التي تتردد أصداؤها من فرنسا والمانيا وروسيا غير مستعصية. فعرض دليل معلن يمكن استخدامه ويتوفر فيه شيء من المصداقية، هو كل ما يحتاجونه لتأييد قرار للأمم المتحدة، وربما لتقديم الدعم العسكري.

ويبدو مع ذلك اننا، وفي أعقاب خطاب بوش، نواجه وضعا أفضل يمكن لأميركا أن تستغله ـ حيث توفر تحالف أوسع ومشروع لقرار ثان، وكلاهما جاءا في نفس الوقت الذي بلغت فيه عمليات الحشد العسكري ذروتها. وبلا شك، فان صدام قد يتبنى أساليب مماطلة جديدة يحتفظ بها، كأن يعترف جزئيا، أو يقدم تنازلات بشأن برامج التسلح العراقية بطريقة تجعله يأمل في إثارة انقسامات وحالة إرباك جديدة.

لكن كلما اتسع حجم التحالف ضده قصرت الفترة التي يمكنه استغلالها، وقلت فرصه في نجاح مساعيه.

لقد أدى خطاب الرئيس بوش الأخير الى تقريب ذلك الاحتمال. ويتوجب على كولن باول أن يجعل منه واقعا.

* محرر مجلة «إيكونوميست» البريطانية، ومؤلف كتاب سيصدر قريبا عن «دروس من القرن العشرين للقرن الحادي والعشرين»

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»