رؤية من منطقة قريبة!!

TT

من شرفة الغرفة التي اسكن فيها على ساحل البحر الميت في الاردن، شعرت بمشاعر مختلطة وغريبة. فعلى بعد اميال قليلة يقع جبل نبو، حيث اطل النبي موسى على فلسطين، وعلى بعد اميال اخرى موقع المغطس، وهو المكان الذي عمد فيه السيد المسيح وزاره البابا يوحنا بولس الثاني في العام الماضي، وامامك سلسلة جبال تتلألأ على هضابها اريحا وخلفها تقع القدس وبيت لحم وبقية مدن الضفة الغربية.

من شرفة الغرفة ترى هذه البقعة الصغيرة من ارض فلسطين والتي هي الان واحدة من اعقد قضايا العالم، وآخر المستعمرات، وآخر انظمة الفصل العنصري، وحيث تتطرف القوى اليهودية في ادارتها للصراع، وتجد التأييد اللامحدود من اكبر قوة عظمى في العالم، وحيث تفشل كل المشاريع العربية السلمية والعسكرية، وحيث يتداخل الجانب الجغرافي بالجانب التاريخي، وتختزن هذه المنطقة ارثاً دينياً وحضارياً للاديان الثلاثة، وتتساءل بكل دهشة وانت ترى هذه البقعة الصغيرة عن المستقبل وامكانيات الحرب والسلام وما هي سيناريوهات القادم من الايام، وهل سيمر اطفالنا بما مررنا به طيلة العقود الماضية منذ انشاء الدولة الصهيونية، ام ان في الافق ما يمكن ان تشتم منه رائحة سلام تختلف تعريفاته ومفاهيمه بين طرف وآخر. خسون سنة من الصراع، ارواح كثيرة ازهقت، ومئات الالاف من المعاقين، ومن اليتامى، ومليارات من الدولارات ثم صرفها على الجيوش، وفرص تنموية ضائعة كثيرة، واحباط جماعي، وانقلابات عسكرية متوحشة قامت باسم فلسطين، و«حفلة زار» احرق فيها بخور كثير اختلط بكذب اكثر، وهأنذا امام هذه الارض الصغيرة اشعر بمشاعر مختلطة لقضية تزداد تعقيداً كل يوم، وكلما لاح في الافق ومض حل، جاءت احداث عنف وقتل، وقتل مضاد، وانتخابات اسرائيلية تأتي باكثر قوى التطرف الصهيوني، وسلطة وطنية فلسطينية ينخرها الكثير من الفساد المالي والاداري، وملايين الفلسطينيين الذين يعيشون بلا وطن وبلا امل، وشباب في عمر الزهور يفجرون انفسهم على امل ان يتغير شيء من هذا الظلم والكراهية والحقد التي تحيط بمدنهم وقراهم.

هل ستستمر وتيرة الحروب والاحباطات التي شهدها جيلنا؟ هل سنورث جيلنا الجديد هذه القضية المعقدة دون رؤية مستقبلية، دون برنامج لاصلاح انفسنا كمدخل للتغيير؟ هل ستستمر الحركة الصهيونية اللاعب الرئيسي في الشرق الاوسط فيستمر الظلم، ويستمر دعم الظلم من اكبر قوة في عالم اليوم؟ وهل سيأتي احد بعدي ليجلس على شرفة تطل على هذه المنطقة وتعتريه نفس المشاعر، وتهاجمه نفس الاسئلة؟ اشعر بالعجز عن الاجابة!