أمركة الوقت

TT

إذا كانت الساعة صناعة سويسرية... فإن الوقت «هبة» أميركية.

«الوقت ينفد بسرعة». العراق يواجه «الخمس دقائق الاخيرة». بغداد تعيش «آخر دقيقة» قبل الحرب..

منذ بدأ المفتشون الدوليون مهمتهم في العراق والعالم ينام على دقات ساعة الادارة الاميركية ويفيق على رنين منبهها.

غير مهم ألا يكون القرار الدولي 1441 قد حدد مهلة زمنية معينة لانجاز عمليات التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل في العراق.

المهم التقيد بتوقيت الساعة الاميركية. والساعة الاميركية ينفد صبرها بسرعة من اخفاق واشنطن نفسها في اقناع العاقلين في العديد من العواصم العالمية بأن نزع اسلحة العراق الخطرة ـ التي تقول أميركا وبريطانيا انه يملكها ـ يستأهل حربا ماحقة ساحقة.. حتى بعد ان استعملت آخر سهم في جعبتها، أي تقديم مرافعة مباشرة من وزير خارجيتها، كولن باول (المتهم زورا بالاعتدال)، يندرج مضمونها في خانة «تحصيل الحاصل».

أي عاصمة قرار دولية تحكّم المنطق الواقعي في اسلوب تقديرها لاحتمالات امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، او حتى في تقييم نية رئيسه، صدام حسين، تطوير هكذا اسلحة، لا بد ان تعتمد، مقاربة موضوعية لتقديراتها، مجردة من أي هوى ومنزهة عن أي انحياز يحول ـ مثلا ـ السلاح المفترض وجوده في العراق الى خطر أدهى من السلاح المؤكد وجوده في كوريا الشمالية.

ولكن بصرف النظر عن اختلاف آراء المعلقين السياسيين حول مصداقية مرافعة كولن باول في مجلس الامن في 5 فبراير (شباط) الحالي ـ البعض اعتبرها مؤثرة ـ لم تبرز الادارة الأميركية الدليل الدامغ (سلاح الجريمة كما تسميه صحف الغرب) على ادانة العراق، وهو الدليل الذي لا تزال عواصم كبرى مصرة على رؤيته قبل الذهاب الى الحرب.

قد يصعب على العديد من المراقبين المحايدين الاقتناع بأن العراق خال تماما مما يسمى باسلحة الدمار الشامل. ولكن من حقهم التساؤل لماذا، وحتى الآن، لم تتوصل اجهزة الاستخبارات الاميركية النافذة، والمدعومة في تحرياتها بجهاز الموساد الاسرائيلي ـ كما ذكرت صحف اسرائيلية تعليقا على خطاب باول ـ الى الكشف عن أدلة دامغة عن المواقع الراهنة لاسلحة العراق، خصوصا انها تشمل، حسب الاتهامات الأميركية، الصواريخ أيضا؟

ولماذا تصديق افادات عراقيين معارضين للنظام عن وجود مختبرات متنقلة للاسلحة فيما بقيت هذه المختبرات خافية عن أعين مخبري الـ«سي.آي. ايه» و«الموساد»؟

واستطرادا، لماذا لم يتمكن مخبرو واشنطن وجواسيسها، حتى اليوم، من ارشاد المفتشين الدوليين الى أي مخزن او مخبأ للاسلحة المحظورة، فيكون الكشف عنه «الدليل الجرمي» الذي يقنع العالم والعرب، بان النظام العراقي يكتم معلومات مهمة عنه؟

من هنا تكمن خطورة التوقيت الاميركي للأزمة العراقية، فمرافعة كولن باول المؤثرة في مجلس الأمن يجب ألا تعني ان عملية التفتيش عن «الادلة الدامغة» بلغت نهايتها، وان العد التنازلي للحرب اصبح مرهونا بايقاع الساعة الأميركية، فما زال هناك اكثر من فرصة معقولة لتجنب حرب لن يدفع ثمنها، على المدى القصير، إلا الشعب العراقي وحده، وعلى المدى الطويل المصالح الأميركية، قبل غيرها، في الشرق الأوسط.

ولأنه لم يسبق لحرب في التاريخ ان استوجبت هذا القدرمن «التسويق» واثارة هذا الكم من الشكوك في دوافعها الحقيقية، ولأن الادارة الأميركية نفسها واجهت، ولا تزال، العديد من الصعوبات والكثير من الشكوك في اقناع بعض اقرب حلفائها بذريعة الحرب ضد العراق بداعي «نزع» اسلحته الخطرة، بات مطلوبا الآن فك ارتباط الازمة العراقية «بالساعة الأميركية» واعادتها الى دائرة اهتمام مجلس الأمن الدولي وتوقيته لعلّ ذلك يعطي العالم فرصة لالتقاط انفاسه وللنظام العراقي مهلة لتعاون أفضل مع فريق التفتيش الدولي.