القمة التي يريدها الناس

TT

تتحرك الآن بجدية، فكرة عقد قمة عربية تعالج الوضع المتأزم القائم حول العراق. الرئيس المصري حسني مبارك يقوم بزيارات ويعقد لقاءات وحوارات مع نظرائه. عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية يتجول ويبحث تقديم موعد القمة المنشودة وعقدها في القاهرة، مقر الجامعة، بدلا من المنامة، ويرفض اتهام التقاعس العربي عن معالجة الأمر، مؤكدا وجود مبادرات عربية لم يحن أوان الحديث عنها. سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي يجوب العالم طالبا إعطاء فرصة أخيرة لمبادرة سلام عربية حتى لو صدر قرار بالحرب من مجلس الأمن الدولي. الأمير عبد الله ولي العهد السعودي يعلن عن مبادرة لإصلاح الوضع العربي ولم شمله، ستعرض على القمة العربية حين تنعقد. والأمل هو أن تنعقد قمة عربية تستفيد من كل هذه الجهود، وتستطيع بلورة شيء ما يصد النار قبل أن تندلع، أو يحاصرها ويحاول التحكم في اطفائها إذا ما اندلعت.

إنه وضع خطير وحساس، في مرحلة خطيرة، لا يفيد فيها الغضب، ولا يفيد فيها الاتهام، وتحتاج إلى روية وعقل، وإلى أفكار مبتكرة وبناءة، تتعامل بوضوح مع هذا الإصرار الأميركي على تحدي العالم، بشن الحرب، والذي يصل إلى حد تحدي أقرب حلفائه الأوروبيين في فرنسا وألمانيا لأنهم يقولون بإمكانية المعالجة السياسية لموضوع الأسلحة العراقية، ومن خلال عمل المفتشين فقط.

هذه الظروف مجتمعة، تجعل انعقاد القمة العربية ضرورة ملحة، وتجعل منها قمة ذات أهمية خاصة، وهذا يتطلب من الدول العربية أن تذهب إليها وقد أعدت نفسها لتقديم تصورات واقعية لكيفية تجنيب المنطقة خطر الحرب، والخروج على العالم بمبادرة سياسية واقعية ومنطقية، فعالة ومقنعة. ولا نريد هنا أن نرجم بالغيب لنقول كيف يكون ذلك، ولكننا نشير إلى مبادئ عامة موجهة لا بد منها. في مقدمة هذه المبادئ يأتي موضوع الموقف العربي الموحد الذي يعلن بصوت حازم أنه ضد الحرب، ويتولى إبلاغ هذا الموقف رسميا وجماعيا إلى الولايات المتحدة. وفي مقدمة هذه المبادئ ايضا تأتي مسؤوليتنا عن معالجة الوضع العربي المتأزم داخليا، ومحاولة دفعه باتجاه التناغم والتناسق، وباتجاه استناده إلى مبادئ عمل تتيح نزع عوامل التوتر بين الأطراف. وهنا لا بد من قول شيء ما للعراق لكي ينجزه، بأن هناك مبادرات مطلوبة منه بالذات، لنزع عوامل التوتر داخل العراق أولا، وفي علاقاته مع بعض جيرانه ثانيا. وهناك مبادرة سعودية مطروحة لإصلاح الوضع العربي يمكن أن تكون مدخلا للنقاش.

إن دول مجلس الأمن تعمل الآن من أجل الحفاظ على منطق التشاور والتفاهم العالمي، وللحفاظ على منطق المعالجة السياسية للأزمات الدولية. وتعمل دول أوروبا الآن من أجل ابتكار أفكار تعالج الأزمة العراقية بعيدا عن الحرب، ولكن بما يحقق لجميع الأطراف مبتغاها، ويبرز بالذات اقتراح قوة دولية من الأمم المتحدة تتولى الإشراف على موضوع السلاح في العراق. ومن المنطقي أن يرافق ذلك كله عمل عربي موحد، يبلور مبادرة عربية فعالة. أما الذهاب إلى القمة العربية لمجرد الدفاع عن مواقف سياسية معلنة، فهو آخر ما ينتظره المواطن العربي من قمته العربية.