الحذر من شارون

TT

تم الإعلان عربيا أنه حين تنعقد القمة في القاهرة سيكون على جدول الأعمال بندان فقط هما: العراق وفلسطين. وبسبب حرارة الموضوع العراقي يظهر موضوع فلسطين على جدول الأعمال وكأنه مجرد موقف تضامن مع ما يعانيه الشعب الفلسطيني من عسف الاحتلال الإسرائيلي، ولكن من يتابع مناورات آرييل شارون السياسية يلحظ بوضوح كامل ضرورة أن يرتقي الاهتمام العربي بالموضوع الفلسطيني من مرتبة التضامن إلى مرتبة الاهتمام السياسي الجاد. ولا يقوم الوصول إلى هذه النتيجة على استذكار ماضي (وحاضر) شارون الدموي بل على مراقبة لمواقفه وتطلعاته عربيا ودوليا، وعلى كيفية فهمه للحرب الأميركية ضد العراق، ومساعيه للاستفادة منها ضد الفلسطينيين والعرب.

يتوقع شارون ثلاث نتائج يمكن له أن يستفيد منها إذا ما اندلعت الحرب ضد العراق. النتيجة الأولى: أن الإطاحة بـ«الديكتاتور» ياسر عرفات، حسب وصفه، ستلي مباشرة الإطاحة بالرئيس صدام حسين. النتيجة الثانية: ان جميع الحكام العرب الذي يدعون إلى «إبادة» إسرائيل، حسب وصفه، ستقترب نهايتهم أيضا، ولا نحتاج إلى كبير عناء هنا لندرك أن المقصود بذلك هو سورية ولبنان بالدرجة الأولى. والنتيجة الثالثة: أنه يمكن بعد العراق، وبعد التخلص من عرفات، الذهاب إلى عملية سلمية مع «التخلي عن الإرهاب»، حسب وصفه، وهو موقف يشمل الفلسطينيين والعرب جميعا، ومعناه السياسي الوحيد هو الرضوخ للمنهج الإسرائيلي في العمل.

هذه النتائج الثلاث التي يتوقعها شارون، تلتقي مع تحالفاته ومع خصوماته السياسية على الصعيد الدولي، فهي تلتقي مع سعيه الحثيث لربط نفسه مع الولايات المتحدة، وكذلك تلتقي مع سعيه الحثيث لإبعاد نفسه عن أوروبا. وإذا كانت إسرائيل قد سعت دائما إلى منع أوروبا من لعب أي دور سياسي في معالجة القضية الفلسطينية، وارتقى سعيها أحيانا إلى درجة الوقاحة في التخاطب معها، فإنها الآن، وفي ظل التوتر السياسي القائم بين أوروبا والولايات المتحدة، تنتقل من الوقاحة إلى التحدي والاستعداد حتى للعداء، فبعد أزمة حلف الأطلسي أعلنت إسرائيل بلسان زلمان شوفال المستشار السياسي لشارون، أن الموقف الذي اعتمدته دول أوروبية، وعلى الأخص فرنسا، يثبت مجددا لإسرائيل أنه من المستحيل الوثوق بأوروبا للمساعدة على حل النزاع مع الفلسطينيين. ووصفت إسرائيل موقف الدول الأوروبية الرافض للحرب ضد العراق، بأنه تراجع أمام خطر إرهابي لا يهدد إسرائيل فحسب بل العالم الحر بأسره. وبهذا الموقف العدائي من أوروبا تكون إسرائيل قد رفضت موضوعيا خطة «خريطة الطريق» التي ساهمت في صياغتها كل من أوروبا وروسيا، ولا يعود أمام العرب بعد ذلك سوى البحث في الاقتراحات الإسرائيلية، والتي ستصبح اقتراحات (مفروضة) إذا ما لقيت دعما أميركيا كالعادة.

وإذ يجري هذا العمل السياسي الإسرائيلي الخطر بزعامة شارون وقيادته، في ظل اتصالات إسرائيلية ـ فلسطينية، فإن الوقائع تدفع باتجاه الحذر أكثر مما تدفع باتجاه التفاؤل، وتدفع باتجاه عدم المبالغة بالنتائج المتوقعة لهذه اللقاءات. ولا نظن أن هذا الواقع يخفى على المفاوضين الفلسطينيين، فهم يعرفون أكثر من غيرهم أن الفترة هي فترة انتظار سياسية أكثر مما هي فترة عمل وإنجاز، كما أننا لا نشك في أن المفاوض الفلسطيني يعمل وفي ذهنه أجندة خاصة به تواجه أجندة شارون.