قمة لقراءة الفاتحة على روح «الفقيد الغالي»!!

TT

اغرب ما في العمل العربي المشترك، هذا اذا كان هناك عمل عربي مشترك، انه كلما «دقّ الكوز بالجرة» تبدأ المناشدات لعقد قمة عربية عاجلة او تقديم موعد قمة مقررة، فأصبح الحال وكأن القمة غدت «مزارا» على غرار مزارات مرحلة الانحطاط، قبل ان يبدأ عهد التنوير الاسلامي، التي كان يذهب اليها المأزومون ليضربوا رؤوسهم بجدرانها وليعفروا وجوههم بصفرائها ويعلقوا شرائط من ثيابهم بأغصان اشجارها.

لا يجوز ان تعقد القمة العربية الا اذا كان هناك اتفاق، ان ليس بالاجماع فبالغالبية، على امر محدد وقضية تهم العرب جميعهم ولا يجوز ان تعقد القمة العربية، الطارئة على وجه التحديد، الا اذا كان هناك قرار عربي حاسم يستجيب لتوجهات الدول المشاركة بصورة عامة.

اذا بقي العرب يتداعون لقمم من اجل ما يمكن تسميته «وهم الحركة» او «وهم الفعل» فان المواطن العربي المصاب بالاحباط والغارق في اليأس حتى شوشة رأسه سيفقد باقي ما تبقى من الامل وسينظر الى أية قمة عربية على انها تظاهرة بلا جدوى وقفزة في الهواء ومجرد تبرئة للذات وبمثابة قراءة الفاتحة على روح الفقيد الغالي.

هناك من يسعى الآن لعقد قمة طارئة عاجلة او تقديم القمة الدورية وعقدها في القاهرة بدلا من المنامة بدلا من موعدها المتفق عليه سلفا، في اوائل شهر مارس (آذار) المقبل والسبب بالطبع هو ارتفاع حرارة الازمة العراقية واحتمال اندلاع الحرب في أية لحظة بعد كل هذه التطورات التي تلاحقت فى الفترة الاخيرة.

لقد انعقدت القمة الدورية العربية الثانية في بيروت ولقد جرت على هامش تلك القمة مصالحات عربية وعمليات تبادل تبويس اللحى واسعة النطاق. وكما هو معروف فقد اصدرت تلك القمة قرارا لم يعترض عليه أحد اكد على رفض أي عدوان على أي بلد عربي بما في ذلك العراق واكد على حل هذه الازمة العربية بالطرق السلمية وعلى التمسك بوحدة الاراضي العراقية ووحدة الشعب العراقي.

كان المفترض ان تستغل القيادة العراقية فترة ما بعد قمة بيروت وتقوم بتغييرات جذرية على صعيد الاوضاع الداخلية وعلى صعيد علاقاتها العربية وبخاصة مع الكويت التي ابدت رغبة في فتح صفحة جديدة مع العراق واشترطت من اجل فتح هذه الصفحة ان تتجه بغداد اتجاها جديا لحل مسألة الأسرى والمفقودين الكويتيين.

وكان المفترض ان تتحرك القيادة العراقية بعد قمة بيروت مستفيدة من تحسن الاجواء العربية لتنفيس الاندفاعة الأميركية لضرب العراق، التي كانت واضحة وضوح الشمس، بالاعلان عن خطوات فعلية للتخلص من اسلحة الدمار الشامل وازالة شكوك كل من لديه أية شكوك في هذا المجال وهذا يشمل توجيه دعوة لمجلس الأمن الدولي لاعادة المفتشين الدوليين الذين غادروا العراق في 1998.

لم تقم القيادة العراقية بأي تحرك جدي في هذا المجال وبقيت تناور في اتجاهات متعددة واطربها تزلف المتزلفين الذين قالوا غزلا بـ«الهجوم الدبلوماسي المعاكس» اكثر مما قاله قيس بليلى او كثير بعزة وبقيت كرة الثلج تكبر كلما تدحرجت اكثر واكثر من قمة جبل ازمة متفاقمة الى واديها السحيق.

كل تقديرات القيادة العراقية كانت خاطئة ولعل اسوأ تقديراتها انها اعتقدت ان الأميركيين سيتراجعون عما هم عازمون عليه خوفا من الانعزال وتحت ضغط المواقف الأوروبية المناوئة التي كانت ولا تزال تطرح للاستهلاك والابتزاز وليس كتعبير عن وقفة صادقة مع العراق.

لقد ظنت القيادة العراقية، واغلب الظن اثم، انها بـ«الرشوة» تستطيع ان تضع روسيا وفرنسا وألمانيا ومعظم، ان ليس كل الدول الأوروبية، الى جانبها ولعلها اكتشفت الآن، وبعد ان وصلت الامور الى ما وصلت اليه، ان هذه الاساليب المقيتة في ممارسة السياسة، تجاه دول مفاهيمها وقيمها غير مفاهيم وقيم العالم الثالث، وضعت الحب في الطاحونة الأميركية وزادت بوش وزمرته اصرارا على الذهاب في اتجاه الحرب حتى النهاية.

كان على القيادة العراقية ان لا تظهر، وهي تعالج ازمة طاحنة متفاقمة وبهذا المستوى من الخطورة، وكأنها تسعى باستخدام نفط العراق وامواله، لخلق حركة تمرد ضد قيادة الولايات المتحدة للعالم وضد هيمنتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية ايضا على الكرة الارضية لأن معالجة هذه الازمة الطاحنة على هذا الاساس وبهذه الطريقة اعتبره الأميركيون تحديا لهم وتلاعبا في ساحتهم فازدادوا اصرارا على تدمير العراق والتخلص من «مشاغباته»!!.

في فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مباشرة رفعت عدة دول من بينها الصين وفرنسا وروسيا شعار «عالم متعددة الاقطاب» وكان هدف هذه الدول اعادة العالم الى معادلة التوازن الدولي لكن تلك المحاولة فشلت فشلا ذريعا لأسباب عديدة اهمها الاسباب الاقتصادية فثبتت الولايات المتحدة اقدامها على الخريطة الكونية اكثر مما كانت ثابتة قبل ذلك.

المهم ان الدعوة لقمة عربية الآن بعد ان جرى كل هذا الذي جرى وبعد ان استكملت الولايات المتحدة استعداداتها للحرب، تبدو كارسال المريض الى غرفة العناية الفائقة بعد ان توقف قلبه عن النبض وبعد ان اصيب بالجلطة الدماغية وبعد ان اصبحت المعالجة بلا جدوى ومضيعة للوقت وهدرا للامكانيات.

ماذا ستفعل القمة الآن سواء انعقدت طارئة او تم تقديم موعدها الدوري وتم تغيير مكان انعقادها اكثر من قراءة الفاتحة سلفا على روح «الفقيد الغالي».. هذا اذا انعقدت هذه القمة والحرب لم تبدأ بعد وصدام حسين لا يزال في مواقع المسؤولية.؟!

اذا كان العرب عازمين على تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك واعلان الحرب فورا على الولايات المتحدة والوقوف الى جانب العراق بالافعال وليس بالاقوال يجب ان تعقد القمة العربية الطارئة وبدون أي تأجيل وعلى الفور وفي القاهرة او أي مكان آخر فاللحظة في هذه الحالة مرتفعة الثمن ومكلفة جدا ان لم تأت في وقتها بالضبط.

واذا كان القادة العرب قادرين على مفاتحة شقيقهم العزيز صدام حسين بأن العين بصيرة وان اليد قصيرة وانه لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وان عليه ان يشتري انقاذ العراق بالتنحي عن مواقع المسؤولية والرحيل الى بلد يتم الاتفاق عليه، فعليهم ان لا يتوانوا في عقد هذه القمة الآن فالوقت يمضي بسرعة والاخطار باتت تحدق بالعراق من كل جانب والمنطقة غدت تقف امام استحقاقات في غاية الخطورة.

ثم اذا كان العرب يخشون من ان يتم رسم خريطة العراق المستقبلية من وراء ظهورهم فان القمة يجب ان تنعقد الآن.. الآن وليس غدا وانه على القادة العرب ان يفرضوا انفسهم ووجهة نظرهم على الولايات المتحدة وعلى كل الدول المنشغلة حاليا في تقرير مصير دولة عربية شقيقة.

اما اذا كان انعقاد القمة المبكرة او الطارئة من اجل قراءة الفاتحة على روح «الفقيد الغالي» او من اجل تبادل الاتهامات على غرار ما كان يجري بعد كل حرب منذ «بلاط الشهداء» وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 1973 فان الافضل ان لا تنعقد هذه القمة لأن انعقادها سيزيد الوضع العربي سوءاً على سوء وسيؤدي الى المزيد من التشظي والفرقة.

بصريح العبارة قال الأميركيون ان الحرب على العراق ستكون المدخل الى ترتيب اوضاع المنطقة بما في ذلك القضية الفلسطينية وهذا يعني انه على العرب ان يعقدوا قمتهم ليس لتكون حلبة للمزايدات وتبادل الاتهامات ولا لذرف الدموع السخية على الشقيق العزيز صدام حسين ولكن لاثبات وجودهم على خريطة الاحداث كقوة اقليمية من المفترض ان تكون لها كلمتها وان يكون لها دور في اعادة صياغة واقع هذه المنطقة التي يتفق العرب جميعهم على انها مقبلة على استحقاقات هائلة وخطيرة.