يوم شربت الكويت سرابا

TT

ما جرى في اجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة الأسبوع الماضي، انعكاس لحالة التمزق العربي من جهة، وترجمة لتضليل الشعوب العربية من جهة أخرى، كان الاجتماع عاديا من اجتماعات متكررة «زي قلتها»، وكانت مهمته المفترضة التمهيد للقمة العربية الطارئة التي دعا إليها الرئيس المصري حسني مبارك لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتجنيب العراق وشعبه والمنطقة كلها مخاطر حرب وشيكة أصبحت على الشفير، ولكن الذي جرى شيء مختلف تماما، فلكل أجندته، ولكل استراتيجيته وعنترياته في تضليل الشعوب العربية والمزايدة الفارغة التي كانت احد أسباب الوهن والضعف والتمزق الذي آل إليه الحال العربي البائس. وكان أكثر المواقف حضورا وهيمنة هو الموقف الإعلامي للبطل الهمام الذي سيتصدى للإمبريالية الأمريكية، والذي يحاول الظهور بمظهر من يدافع عن العراق وشعبه، ولكنه في حقيقة الأمر يمارس العكس تماما، ويعرض العراق والمنطقة برمتها للأهوال والمخاطر، ويعطي انطباعا خاطئا للقيادة العراقية يدفعها إلى التشدد والمراوغة في تطبيق القرارات الدولية.

وكان أكثر هذه المواقف غرابة هو البيان «المزعوم» الذي يخرج عن نطاق صلاحيات الاجتماع الوزاري، فالاجتماع مهمته تحضير جدول أعمال القمة وليس إصدار البيانات، فلقد فوجئ المؤتمرون ببيان يقرأه رئيس الجلسة ـ وزير الخارجية اللبناني ـ وقد اعترض وزراء عشر دول على ذلك، وطالبوا بالتصويت عليه من أصله، فكان أن رفع رئيس الجلسة الاجتماع، وقيل بأن الكويت تحفظت عليه، وذاك مناف للحقيقة والواقع، فالكويت مع عشر دول أعضاء من بينها مصر والسعودية والأردن، تحفظت على الإجراء من أساسه، وليس البيان الذي لم يكن شأنا للاجتماع أصلا.

وراح المطبلون يحاولون تصوير الأمر وكأنه إجماع اعترضت عليه الكويت، وهذا ما جنته الكويت على نفسها منذ أن وافقت على حضور قمم واجتماعات ترفع شعارات التضامن العربي ويحضرها نظام صدام، ووصل التنازل الكويتي مجاملة إلى حد مؤتمر الدوحة الذي ساوى الجاني بالضحية وسمّى ما جرى للكويت والعراق والأمة كلها بالحالة العراقية ـ الكويتية، ثم جاءت قمة المجاملات والمصافحات في بيروت، وكانت قمة التضحية الكويتية بحقوقها جريا وراء سراب واهم اسمه «التضامن العربي في زمن الصدّامية»، وكان الكويتيون يظنون بأن الأمور ستتوقف عند هذا الحد من التنازل إرضاء ومجاملة لشاشات التلفزيون ودهاليز قمم النفاق والضحك على الشعوب، حتى وصل الأمر إلى أن حاول البعض تحويل الضحية إلى الجاني، وتبرئة الجاني مما اقترفه من جرائم في حق الكويت وفي صف التضامن العربي الواهم.

ما أشبه الليلة بالبارحة، أو ما أشبه الليلة بالليلة، استمرت عقلية الضحك على الشعوب، ومهزلة وهم التضامن العربي الذي دمره صدام حسين ونظامه، وبقيت الكويت تلهث وراء حد أدنى من الإنصاف العربي لتشخيص العلة الحقيقية لما جرى للأمة من شق أحدثه صدام ونظامه، وبقي جرحا غائرا في قلب الأمة، ولم يجرؤ أحد على تسمية الأشياء بأسمائها.

إن التضامن العربي مبدأ يقوم على المساواة بين الدول الأعضاء، وتجريم المجرم، والوقوف إلى جانب الضحية، وما عداه فهو كما قال وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بعد الاجتماع موجها كلامه للأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى كذب على الصحافة ووسائل الإعلام وعلى الشعوب.