الربعي.. مثالا

TT

ليس الدكتور أحمد الربعي في حاجة الى شهادة تقدير مني او من غيري، فسيرته الشخصية وتاريخه السياسي ونشاطه الاكاديمي وكتاباته وتصريحاته تشهد له بالكثير.

ولست شخصيا في معرض مديح الرجل، مع انني لا استنكف من الثناء عليه وعلى امثاله ممن يستحقون عن جدارة المديح، وانما اريد فقط ان اقدمه مثالا جديرا بالاشارة والتنويه في الزمن الصعب الذي نعيشه الآن.

الدكتور الربعي ناقد بارز للاوضاع المتردية والسياسات الخاطئة، في الغالب، في منطقتنا. وهو اعتاد ان يوجه بين الفينة والاخرى بعض سهام نقده الى المعارضة العراقية، وهي سهام حادة عادة لكنها، في الحق، ليست محملة بالسم وانما بالبلسم الذي لو سمح له الذين يتعرضون الى نقده ـ وبينهم المعارضة العراقية ـ بالنفاذ الى عقولهم ونفوسهم وقلوبهم لبرئوا من امراضهم الخطيرة المزمنة.

وقد لام الدكتور الربعي السبت الماضي («الشرق الاوسط») المعارضة العراقية لانها «منشغلة ببعضها البعض وبصراعاتها العدمية وخلافاتها التي لا تنتهي» فيما «كل اطراف الازمة العراقية يتحركون باستثناء المعارضة العراقية في الخارج». لا ادري لماذا استثنى المعارضة الداخلية مع ان كلامه ينطبق عليها ايضا.

ما من عراقي عاقل، بما في ذلك عناصر المعارضة العراقية وزعماؤها، لا يؤيد ما قاله الربعي هذه المرة، وفي كل مرة كذلك. ولا اظن ان فلسطينيا او كويتيا او سعوديا او مصريا او سودانيا... عاقلا لا يؤيد الربعي حينما يكتب او يتحدث بمرارة بالغة وبحرقة قوية عن الشؤون الفلسطينية او الكويتية او السعودية او المصرية او السودانية... الخ.

سرّ الربعي ـ وكذلك امثاله ممن يكتبون بدم فائر ويتحدثون بقلوب ملتاعة ـ انه وطني صادق، يحب وطنه وشعبه. ولانه كذلك فهو يحب بصدق سائر الاوطان والشعوب، وينقد بصراحة ونزاهة واخلاص وبتجرد من الدوافع والاغراض الشخصية. ولهذا يبدو الاختلاف كبيرا جدا والشقة واسعة للغاية بين نقد الربعي للمعارضة العراقية وسيل السباب الذي تتعرض له هذه المعارضة عبر الصحف المأجورة وتلفزيونات اشباه الدول.

الى جانب الاعداد الغفيرة من الوطنيين المخلصين والمناضلين الذين ضحوا بالكثير من مصالحهم الشخصية من اجل استعادة الشعب العراقي حريته وحقوقه المهدورة وآدميته المنتهكة منذ عقود من جانب نظام الرئيس صدام حسين، يوجد في المعارضة العراقية ـ خصوصا الخارجية ـ عدد غير قليل من السيئين، كالجلادين السابقين ـ واللاحقين حينما تتوفر الفرصة من جديد ـ وتجار الحروب السابقين والحاليين واللاحقين ممن وقعوا العقود مع الشركات الاجنبية وضبطوا الوكالات منذ الآن وينتظرون اندلاع الحرب الجديدة واطاحة صدام بصبر فارغ، ليس تعجيلا في خلاص الشعب العراقي وانما استعجالا لسريان مفعول عقودهم ووكالاتهم.

والمعارضة العراقية ـ الخارجية خصوصا ـ فيها ايضا الطمّاعون والمرتزقة والانتهازيون. بيد ان احدا من هؤلاء لم يبلغ بعد من السوء مبلغ صدام (قد يبلغون هذا المبلغ عندما يتولون السلطة لاحقا). وهؤلاء ـ كما اي عراقي آخر ـ باستثناء صدام وكبار اعوانه ـ ليسوا مسؤولين عما حل بالعراق وعما سيحل به لاحقا، فصدام واعوانه الكبار يتحملون وحدهم المسؤولية عن هذا كله. والمنطقي ان يوجه اليهم نقد المتخصصين في شتم المعارضة العراقية ان كانوا صادقين، من دون ان يلغي هذا حق النقد، حتى بأقوى لهجة، لهذه المعارضة كما يفعل الدكتور الربعي وامثاله ممن تشهد لهم كتاباتهم وتصريحاتهم ومواقفهم بانهم يكنون للعراق وللشعب العراقي حبا خالصا لا تشوبه اية شائبة شخصية ولا تلوح من ورائه كوبونات النفط ولا تفوح منه رائحة نفط الكوبونات.. لانهم في الاساس محبون مخلصون لاوطانهم وشعوبهم.

[email protected]