العيب ليس في المرآة

TT

وزير الخارجية العراقي ناجي صبري الحديثي، ليس الاول، وربما لن يكون المسؤول الاخير، الذي يهاجم «الشرق الاوسط». فقد سبقه في ذلك آخرون لم يعجبهم خبر او موضوع نشرته الصحيفة، ولما فشلوا في تكذيب الخبر، انبروا للوم ناقله، وهي الصحيفة في هذه الحالة، بل ان الوزير الحديثي نفسه سبق له مهاجمة «الشرق الاوسط» في تونس، علما بانه عاد واعطى مراسليها مقابلات نشرتها الصحيفة وتناقلتها عنها وكالات الانباء.

عندما هاجمنا وزير الخارجية العراقي في المرة الاولى لم تكن هناك اجواء حرب في المنطقة، ولم تكن الاعصاب مشدودة كما هي الآن. ولكن وقتها كانت هناك ازمة بين العراق والامم المتحدة، وتوترات لم تنقشع من المنطقة. فالحال مع العراق منذ الثمانينات انه دائما في ازمات ومشاكل منذ الحرب مع ايران، ثم غزو الكويت، وما تلا كل ذلك من ازمات وتوتر، ومن حروب صغرى وازمات داخل العراق نفسه.

الوزير الحديثي يتهم «الشرق الأوسط» بأنها فرحة للحرب، وهو في ذلك مخطئ تماما. فالصحف لا تصنع الحروب، بل الساسة.. والواقع، ليس كل الساسة بل الحمقى والمتهورون والمغامرون هم الذين يفعلون ذلك، وهم الذين يضحون في ذلك بمصالح شعوبهم، ويغامرون بمستقبل بلدانهم.

و«الشرق الاوسط» مثل كل وسائل الاعلام تنقل الصورة من الواقع امامها، وهي في ذلك لم تتخذ قرارا بحرب مع ايران، او بغزو الكويت، ولم تصدر اوامر باستخدام الاسلحة الكيماوية ضد الاكراد، ولم تتخذ خطوات كانت نتيجتها حصد ارواح مئات الالوف من العراقيين، وتشريد الملايين، وتعريض عشرات الملايين للحصار والعقوبات والتجويع.

اما حديث الوزير العراقي عن ان «الشرق الأوسط» اقل موضوعية من صحف اميركية وبريطانية تفتح مجالا لما وصفه بنقد «منهج الشر الاستعماري الاميركي»، فيكفي ان نشير الى ان ذات العدد من الصحيفة احتوى على تهجم الوزير نفسه وعلى حديثه وعلى تصريحات طه ياسين رمضان لمندوب «الشرق الأوسط» في كوالالمبور، ثم نص حديث الرئيس العراقي صدام حسين للوفد الروسي، كما احتوى على موضوع عن اسئلة موجهة لكولن باول عن اخلاقيات الحرب، وعن تحذير السفارات الاميركية حول العالم لواشنطن من ان العديد من الناس باتوا يرون بوش خطرا اكبر على السلم العالمي من صدام. يضاف الى ذلك ان صفحات الرأي في «الشرق الاوسط» تحفل بمقالات تنقل مختلف وجهات النظر.

والاهم من ذلك ان «الشرق الأوسط» تنقل الى جانب وجهات نظر المسؤولين في بغداد، توجهات الصحف العراقية. وللصحيفة مراسل في بغداد، كما ارسلت مندوبين قبل ذلك الى هناك، وتسعى منذ اشهر الى ارسال مندوب الى بغداد للتغطية من هناك، لكن الاجراءات العراقية هي التي تحول دون ذلك.

يبدو ان الوزير ناجي الحديثي لا يرى الاعلام «موضوعيا» الا اذا كان اعلاما حزبيا اعمى، يبقي القارئ جاهلا بكل ما يدور حوله، في عالم تحول بفضل ثورة الاتصالات الكونية الى قرية صغيرة. كما انه عندما يتهجم على وسائل الاعلام يتناسى ان العيب في هذه الحالة ليس في المرآة، بل في الصورة الاصلية، فهي صورة مشوهة، ومعوقة بالحروب الخاطئة منذ زمن بعيد.