اختلاف العرب.. ظاهرة صحية أم ماذا؟

TT

أدى عدم توصل الوزراء العرب الى اتفاق بشأن الازمة العراقية وتحديد جدول أعمال القمة الطارئة، الى موجة من مشاعر الألم التي عبر عنها بعض المحللين في وسائل الاعلام العربية بشأن «اختلاف العرب».

وقد اصاب مشهد الوزراء العرب وهم يلوحون بسيوفهم الاعلامية علنا، بعض اولئك الذين يصرون على وجوب عدم نشر الغسيل القذر امام الملأ، بصدمة. حتى ان معلقا، وقد تظاهر بالألم الشديد بعد مشاهدته لآخر مظاهر «الفرقة»، توقع ان يؤدي ذلك الى «نهاية العرب».

يعتقد الكاتب ان رأي هذا المعلق ليس صائبا. على اعتبار ان هناك احتمالا بأن يصبح هذا التعبير العلني عن «الاختلاف» مؤشرا على نضج سياسي، وبالتالي نبأ طيبا بالنسبة للعرب.

قد لا يكون ذلك مؤشرا على اننا نشهد بداية جدل حقيقي بشأن ما يمكن للعرب فعله معا وما لا يمكنهم. فقد ظلوا دائما مختلفين حول معظم القضايا، ونادرا ما توفرت لبعضهم الشجاعة للتعبير علنا عن موقفهم المختلف، باستثناء ما يحدث خلال الحملات الاعلامية المتبادلة من وقت لآخر.

الجديد هنا هو ان بعض الدول العربية باتت الآن مستعدة للتصرف بشكل طبيعي: او اذا صح القول التعبير علنا عن اختلافها مع هذا الموقف او ذاك، بدون ان تتورط في حملة من الكراهية ضد اولئك الذين يتبنون رؤى مختلفة. وهذا تطور ايجابي، وربما يعد مؤشرا على التحاق العرب بركب العالم الحديث.

هناك امثلة عديدة على تعريض العرب مصالحهم للأذى باسم الوحدة المزعومة، التي حتى وان تحققت فقد ظلت دائما شكلية. وفي كل تلك الحالات تمت التضحية بالواقع بدلا من تبني رؤية متبصرة.

ففي عام 1948 اتفق العرب بالاجماع بشأن رفض خطة الأمم المتحدة المتعلقة بتقسيم فلسطين. وقد دفع الفلسطينيون، وبعد مرور نصف قرن، ممن سيسعدهم الحصول على جزء بسيط مما عرض عليهم حينئذ، ثمن ذلك الرفض.

وفيما بعد وقد رفض العرب قرار مجلس الأمن رقم 242، اعلنوا موافقتهم عليه بعد سنوات لاحقة، لكن بعد ضياع فرص تنفيذه. ولاحقا وضعوا انفسهم في مأزق لم يكن من السهل الفكاك منه. حتى انهم في قمة الخرطوم حظروا على انفسهم تبني أي اجراء سياسي من اجل التوصل لحل سلمي للنزاع مع اسرائيل.

وخلال الثمانينات واصل العرب الحفاظ على وحدتهم الشكلية عندما دعموا حرب صدام حسين العدوانية ضد ايران. حيئنذ ظهرت بوادر بعض الانشقاق عندما تبين ان الحرب قد تتواصل الى الابد اذا لم ينتصر أي من الطرفين.

ما يجعل ذلك التاريخ المؤلم اكثر ايلاما هو ان «الوحدة» التي طالب بها الجميع، لم تكن حقيقية على الاطلاق.

ففي عام 1948، عندما رفع العرب شعار حربهم الكلامية الذي ارادوا به «تدمير اسرائيل»، كان عاهل الأردن الملك عبد الله الأول، وحاكم سورية العسكري حسني الزعيم على صلة بمفاوضات سرية مع الدولة اليهودية، عرضا خلالها تحالفا استراتيجيا.

وخلال الحرب الايرانية ـ العراقية، قدمت دولتان عربيتان، دعما سريا لايران ـ التي اعتبرت حينئذ «العدو الفارسي المشترك» ـ تمثل في معلومات استخبارية وفي حرب دعائية ضد العراق.

لقد كان الرئيس المصري الراحل أنور السادات، أول زعيم عربي توفرت لديه الشجاعة لرفض الوهم وتبني الواقع. حيث ادرك ان واجبه الرئيسي تجاه بلده يتمثل في استعادة أراضيه المفقودة.

وقد ادرك ايضا ما دفعه العرب ثمنا للمناوشات الكلامية التي كان سلفه الراحل جمال عبد الناصر قد اجادها لما يقرب من عقدين.

لذلك كله لا يوجد ما يدفع البعض الى اعتبار ان «اختلاف» العرب يمثل مرضا بينما اختلاف وجهات نظر دول الاتحاد الأوروبي ودول حلف شمال الأطلسي (ناتو) ، يعد مؤشرا على تعددية متحركة.

والآن وقد توفرت لدى بعض العرب الشجاعة للكشف عن مواطن عراء الامبراطور، اذا صح التعبير، فقد آن الأوان ربما للاشارة الى حقائق معدودة.

ففكرة ان الدول العربية الـ22 تشكل كيانا قوميا واحدا تعد خرافة محفوفة بالمخاطر. اذ ان العرب عبارة عن شعوب مختلفة مرت بتجارب تاريخية مختلفة ولديها مصالحها وطموحاتها الوطنية. وهناك الكثير مما يجمعهم ولا بد من احيائه واثرائه، لكن ذلك لا يعني ان عليهم او ان بامكانهم الانهماك في مزيج من شعارات الوحدة الوهمية.

وهنا يمكن للمرء تأمل واحدة من القضايا التي تشير الى «اختلاف العرب». فالكويت قررت ان تكون الى جانب الولايات المتحدة اذا ومتى تم اجراء عسكري للاطاحة بصدام حسين. وهذا الموقف يمكن استيعابه من وجهة النظر الكويتية، لكن بالنسبة لموريتانيا، على سبيل المثال، قد تبدو الامور مختلفة. اذ لا يوجد سبب يدفع الكويت لتوريط نفسها في عمل انتحاري من اجل ارضاء أولئك الذين لا يهددهم صدام حسين.

ما يثير الدهشة هنا هو ان اولئك الذين ينتقدون الكويت ليسوا مستعدين للاعتراف بالمحصلة المنطقية لموقفهم ولالزام انفسهم بخوض القتال لابقاء صدام حسين في السلطة. وكل ما هم مستعدون للقيام به هو التهكم على الكويت، التي باتت الآن هدفا سهلا للمهرجين.

(مع العلم ان الكويت ذات يوم قامت بنفس الدور فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فبالرغم من عدم تعرضها لخطر مباشر من اسرائيل، الا انها تبنت مواقف صارمة ضد كل من اراد التوصل لتسوية من خلال المفاوضات. وعلينا ان لا ننسى ان الكويت هي التي بدأت حملة استبعاد مصر من الجامعة العربية عقب اتفاقيات كامب ديفد للسلام).

لقد فشل المؤتمر الوزاري العربي لأنه لم يتعامل مع صلب الموضوع. وكل ما اراده البعض هو اصدار مذكرة تؤكد أكذوبة كبرى متعلقة بوحدة العرب واجماعهم في معارضة العمل العسكري ضد صدام حسين. فهم ليسوا كذلك ، والجميع يدركون ذلك بما فيهم العرب بأنفسهم وصدام حسين وحتى الأميركيون.

صلب الموضوع يكمن فيما اذا كان على العرب التخلي عن نظام تسبب في حربين، وبسبب سياساته المغامرة ، ها هي حرب ثالثة على الابواب.

في كل مرة اتفق فيها العرب كانوا كمن يصيب اقدامه بالرصاص. وطول نصف قرن عانى العرب من اصرارهم على التشبه ببعض دون ان يكونوا متوحدين. وقد آن الأوان لكي يراجعوا انفسم ويعملوا على تحقيق الوحدة مع التنوع.

من مصلحة كل العرب ان يثق المجتمع الدولي بما يطرحونه. فالوحدة الشكلية والتلقائية ظلت دائما عبارة عن أكذوبة كبرى تتخفى في صورة حقيقة. وقد ساد الافتراض بأنه يمكن للمرء، وبالرغم من البيانات الصحافية المتعلقة بوحدة موقفهم، الفصل بين العرب والتعامل مع كل منهم على حدة.

بقبول حق الآخرين في التنوع ضمن مفهموم السياسات المتعددة ، سيصبح العرب في غنى عن الكتمان، او عن مغالطة بعضهم البعض، ومغالطة انفسهم وشعوبهم، او عن التوقيع على بيانات ليسوا مقتنعين بما تتضمنه.

واذا ما استوعبوا التنوع والتعددية فانهم سيدركون ان العالم ليس مقسما بين العرب وغير العرب، بل بين الصواب والخطأ. وسيعلمون ان كون المرء عربيا لا يعني السماح لكائن ما بذبح معارضيه والقاء الغازات السامة فوق رؤوس النساء والأطفال وغزو الجيران وتوريط المنطقة بأسرها في نزاع.

سيعلمون انه من الافضل ان يفرق بينهم الحق والسبب لا ان تجمع شملهم أكاذيب وأوهام.